لا يأخذني الاستغراب كثيراً, ولا المفاجأة عن آليات عمل مجلس الأمن، وكيف ينظر إلى الأمور فيما يتعلق بالأزمة السورية بكل آلامها، ومخاضها، وشلالات الدماء التي لا تزال تتدفق بها؛ ليتجاوز عدد ضحاياها الستين ألف قتيل، كل ذلك بسبب تدخل السياسة الدولية في أنفاق بالغة القتامة، والتي تحكمها - مع الأسف - طبيعة التوازنات الدولية، والمصالح الإقليمية للدول الكبرى، حتى يصل العجز الدولي أمام جرائم يندى لها جبين الإنسانية، دون أدنى شعور بالتردد، أو الخشية من العقاب، وهو ما شكّل إدانة قوية للمجتمع الدولي بكامله.
ينص ميثاق الأمم المتحدة في فصله السادس، على تحديد الطرق السلمية للتعامل مع الأزمات الدولية، -من خلال- دعوة الأطراف المتصارعة؛ للجلوس إلى طاولة الحوار، والبحث عن الطرق السلمية؛ لحل الأزمات التي تهدد الأمن، والسلم الدوليين. ثم يأتي الفصل السابع؛ ليغطي الإجراءات العملية، والتي تحمل صفة الإلزام لأي طرف يهدد الأمن، والسلم العالمي. وتبدأ هذه الإجراءات من العقوبات الاقتصادية، والمقاطعة الدبلوماسية، وتنتهي بتثبيت السلم بالقوة العسكرية، وكل ذلك يجري تحت إشراف مجلس الأمن، وليس كما اتفق.
في حال الصراعات الإستراتيجية، فإن المناورات السياسية لحل الأزمات الدولية، تكون بطيئة جدا. وتأمل كيف تأخرت الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية في اتخاذ قرار مناسب؛ لحل الأزمة السورية، بحجة استخدام الفيتو الروسي، والصيني، رغم ارتفاع معدل القتل اليومي؛ ليبقى التدخل الإنساني مرهونا بمنظومة مصالح الدول الكبرى، وحساباتها الإستراتيجية، وتحالفاتها البغيضة.
وفق قاعدة المصالح، وازدواجية السياسة، فإن تبرير التباطؤ في التدخل العسكري، سيكون هدفه تدمير البنية التحتية السورية، وهو ما أكده المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي في تقريره لمجلس الأمن، حين قال: “إن سوريا تتدمر تدريجيا.. وأنها تتفكك أمام أعين الجميع”، إلا أن الإصرار على تعميق الأزمة، والعمل على تحويله إلى صراع إقليمي؛ من أجل أن يتمدد إلى دول المنطقة، سيُبقي الأزمة في دائرة نفق مظلم، والمنطقة على مفترق طرق طويلة من الحروب.
في السياق ذاته، كان الواجب على مجلس الأمن، تنفيذ منظومة القانون الدولي؛ من أجل حماية الشعوب من بطش طغاتها، وأنظمتها الديكتاتورية، حتى لو كان التدخل يتعارض مع مفهوم السيادة. وهذا ما أعنته المملكة العربية السعودية - قبل أيام -، في كلمتها أمام القمة التي انتهت أعمالها في العاصمة المصرية، من تحميل مجلس الأمن المعطل مسؤولية استمرار المأساة السورية، ومسؤولية عشرات آلاف الأرواح التي أزهقت بنيران قوات النظام الفاسد، وفيه: “وعلى المجتمع الدولي، -وخاصة- مجلس الأمن: أن يتخذ الإجراءات، والقرارات اللازمة؛ لردع هذه الجرائم، والعنف عن الشعب السوري، وإنهاء انتقال السلطة بكل الوسائل الممكنة”.
drsasq@gmail.com