أشرت في الزاوية السابقة إلى بعض من مراحل الجمعية الكويتية وتأسيسها المبكر في الستينات، وما تبع ذلك من تجدُّد وتطوُّر في تحقيق الأهداف بدءاً من المحلية ووصولاً إلى العالمية، وألمحت إلى ما كانت عليه في حجم المكان الذي لم يكن يشتمل إلاّ على مكاتب إدارية وصالة العرض الوحيدة، ومع ذلك عوّضت الفنانين عن التنقل والعرض خارج محيط الجمعية، أما اليوم فالأمر مختلف من حيث التجهيزات واتساع مساحة الخدمات من صالات كبيرة واستوديوهات للتدريب وقاعات للاجتماعات وصالات استقبال للضيوف، هذا التطوير في موقع الجمعية التي يقع مبناها على أرض تتجاوز الأربعة آلاف متر مربع، أصبحت معلماً ثقافياً إبداعياً يستحق الزيارة.
وإذا انتقلنا من واقع المبنى وحال الجمعية كمرفق رسمي، فإنّ هناك الكثير من الإنجازات التي تستحق الوقوف أمامها، وقبل ذلك ذكر من كان لهم دور في مسيرتها ابتداءً من الفنان الراحل خليفة القطان أول رئيس للجمعية، مروراً بكلٍ من خالد القعود وأمير عبد الرضا ومحمود الرضوان، وصولاً إلى عبد رب الرسول سلمان ، الرئيس الحالي للجمعية، هذه المسيرة للجمعية رسمت ووضعت لها مكانة في مختلف المناسبات والمحافل التشكيلية عالمياً، مروراً بالخليج والعالم العربي.
عبر ما يقارب الخمسين عاماً حفرت الجمعية الكويتية اسمها في أذهان المثقفين عامة والتشكيليين داخل الكويت وخارجها، ليستمر العطاء من مرحلة التأسيس وما تبعها من مراحل البناء، إلى مرحلة الإنجازات والحيوية والمعاصرة، في هذه الفترة من تاريخ الثقافة العربية عامة والخليجية على وجه الخصوص، وقد يجد الزائر للجمعية الكثير من الشواهد على هذا العطاء الكبير في مختلف المجالات التشكيلية، إبداعاً عبر اللوحة والمنحوتة، أو ما تزخر به من إصدارات شملت تاريخها دون إغفال لأي طرف أو اسم، بقدر ما وجد كل من مر بها، التقدير والإشادة، خصوصاً في الإصدار الذي قام عليه الفنان عبد رب الرسول سلمان بعنوان الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية خمسة وأربعون عاماً على التأسيس، الذي ضم في ثناياه التفاصيل الدقيقة عن مسيرة الجمعية ومن عمل بها، بسرد علمي وتاريخي يختصر المسافات.
لقد تحوّل مبنى الجمعية ومرافقه المتعدّدة، إلى متحف تشكيلي يمكن للزائر أن يلم بمسيرة هذا الفن وما طرأ عليه من تطوّر، فهناك أجيال مرت بهذه الجمعية، ومعارض جمعت أقطاب التشكيل العربي وروّاده، جعلها الأبرز، والأكثر امتلاكاً لتاريخ الفن العربي وفنانيه، من خلال ما يزخر به أرشيفها الكبير، والمليء بكنوز المعلومات المكتوبة، أو صور الأعمال الفنية التي لم يَعُد الكثير منها موجوداً على أرض الواقع.
في حلقتنا القادمة سيكون لنا وقفة مع كيفية تحرك الجمعية الكويتية نحو الجيل الجديد واحتفاظها بمسيرة الروّاد بتوازن مازج بين الأجيال.
monif.art@msn.comفنان تشكيلي