من سنن الله تعالى المطردة في كونه والمثبتة في شرعه أن جعل الحق والباطل في صراع دائم إلى قيام الساعة؛ ابتلاءً واختباراً وامتحاناً؛ وهذا الابتلاء يختلف شدةً وضعفاً وزماناً ومكاناً.
والصراع بين الحق والباطل يتخذ أشكالاً عدة؛ ويظهر في صور شتى؛ فتارة يكون بين الكفر والإسلام؛ وتارة بين البدعة والسنة، وهو مداولة في الظهور والغلبة؛ فتارة تكون الدولة للحق وتارة تكون للباطل.
ودليل سنة هذا الابتلاء قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } [محمد: 31].
وفي صحيح مسلم من حديث عياض المجاشعي في الحديث القدسي: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ.
وإن من صور الابتلاء التي يتعرض لها الحق وأتباعه اتهامهم بأوصاف مشينة وصفات ذميمة لينفر عنهم الناس وليرفضوا الحق الذي جاوا به ويدعون إليه؛ وهو سنة قديمة جرت بين الأنبياء وأعدائهم؛ وبين دعاة الحق ودعاة الضلالة.
فقد قال المشركون عن خيرة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم أقوالا باطلة؛ ووصفوه بأوصاف كاذبة؛ حيث وصفوه بأنه ساحر؛ وبأنه كاهن، وبأنه مجنون؛ وغير ذلك من الأوصاف القذرة، تنفيراً للناس بأن يسمعوا ما أتى به من الحق؛ مما حمل بعض الصحابة قبل إسلامه بأن يحشي أذنه من القطن خشية أن يسمع كلمة واحدة من النبي صلى الله عليه وسلم.
ويستمر هذا المسلسل من الاستهزاء والتنقيص من أهل الحق؛ ويحدث الخلاف في صفوف المسلمين؛ ما بين سنة وبدعة؛ وتفترق أمة الإسلام إلى فرق شتى، كلٌ يدعي أنه أولى بالحق من غيره، راميا مخالفه بأنه ضال مبتدع، والفيصل في الدعوى هو صدق الإتباع لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وآله الأطهار وصحبه الأخيار؛ والتمسك بما جاء من الكتاب والسنة وبما سار عليه سلف الأمة. والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء.
وإن من دعاة الحق المجددين النابهين الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة؛ حيث جاء في زمن ضعف فيه التوحيد الخالص في قلوب المسلمين؛ وانتشر التعلق بالقبور والأضرحة؛ وكانت الجزيرة العربية مقسمة مهلهلة؛ ساد فيها الخوف؛ وانعدم الأمن، فكان أن قام متجرداً للحق داعيا إليه بكل ما أوتي، فأوذي في الله وشرد وطرد، حتى أذن الله تعالى بظهور دعوته، وانتصار الحق الذي جاء به، فقيض الله له الإمام محمد بن سعود فناصره وآواه؛ وفتح الله عليهما البلاد، وأذعن لهما قلوب العباد، واستبشر الصالحون بهذه الدعوة؛ ورأوا فيها الدعوة إلى الرجوع إلى الدين الحق؛ ونبذ البدع والخرافات، وامتدحها العلماء شرقاً وغرباً على اختلاف مذاهبهم، وأثنوا على صاحبها خيراً.
بل لم يكتف ثناء المحبين لهذه الدعوة يتواصل حتى أنطق الله الشانئين المنصفين، وكما قيل:
شهد الأنام بفضله حتى العدا
والحق ما شهدت به الأعداء
ومن أقوالهم في ذلك ما قاله المستشرق «جولدتسيهر» في كتابه «العقيدة والشريعة»:
«إذا أردنا البحث في علاقة الإسلام السني بالحركة الوهابية نجد أنه مما يسترعي انتباهنا خاصة من وجهة النظر الخاصة بالتاريخ المديني الحقيقة الآتية:
يجب على كل من ينصب نفسه للحكم على الحوادث الإسلامية أن يعتبر الوهابيين أنصارًا للديانة الإسلامية على الصورة التي وضعها النبي وأصحابه، فغاية الوهابية هي إعادة الإسلام كما كان» اهـ.
وقال «برنارد لويس» في كتابه «العرب في التاريخ»:
«وباسم الإسلام الخالي من الشوائب الذي ساد في القرن الأول، نادى محمد ابن عبد الوهاب بالابتعاد عن جميع ما أضيف للعقيدة والعبادات من زيادات باعتبارها بدعًا خرافية غريبة عن الإسلام الصحيح»اهـ.
ومع الاعتراف بالحق؛ والانصياع للحقيقة إلا أن ناساً ممن ركبوا الهوى؛ وأشربوا الردى؛ لا زالوا مرددين الأوصاف النابية على هذه الدعوة، شانئين أصحابها والذابين عنها؛ ملصقين كل تهمة كاذبة على دعاتها؛ والذين هم في الحقيقة ما هم إلا دعاة إلى ما دعا إليه الكتاب والسنة.
ومما يرددون من التهم الباطلة؛ أن الوهابية مذهب خامس، وأنهم يبغضون أهل البيت، ويعادون أولياء الله إلى غير ذلك من الأوصاف الباطلة.
ودحض هذه التهم من أسهل ما يكون؛ حيث مؤلفات الشيخ رحمه الله تبين بجلاء أن هذا كلام باطل لا أساس له من الصحة، وهي طافحة بالأدلة التي ترد على هذا الاتهام.
فأدعو كل منصف متجرد للحق باحث عنه أن لا يكون بوقاً لغيره بلا علم؛ وخاصة في هذا العصر الذي سهل فيه تواصل العالم؛ فمن أراد أن يعرف حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فليرجع إلى كتبه ومصنفاته ورسائله المبثوثة بين جنبات صفحات الشبكة العالمية، وليكن متجرداً من كل حكم قبل قراءتها، ثم ليحكم بعد ذلك بعدل وإنصاف..
عضو الفريق العلمي في حملة السكينة