إن مقومات المجتمع السعودي هو الأسرة، حيث نصت المادة التاسعة من الباب الثالث لدستور المملكة أن الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، وحيث إن النسيج الاجتماعي في بلادي العزيزة يقوم على أسس متينة على رأسها تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، إذاً والحالة هذه فإن التفكك الأسري في بلادنا العزيزة لا يشكل ظاهرة تلفت الأنظار، وما يوجد من خلافات أسرية لا تعدو أن تكون نزرا يسيرا بين أسر المجتمع السعودي وإني أرى أن وسائل الإعلام وغيرها من لجان الإصلاح الأسري تضخم ذلك النشاز ومن ثم يُطرح علينا على أن أسرنا يغزوها التفكك والانحلال!! إني أملك تحفظات على تلك اللجان وما يطرحه الإعلام حيال هذه القضية، فإني أرى أن إسناد المشاكل الأسرية إلى لجان إصلاح هم بعيدون عن إطار الأسرة التي تكون محل النزاع، وأن أولئك الذين يتصدون لهذه المشاكل هم أشخاص غرباء لا يمتون لهذه الأسرة أو تلك أدنى صلة. فإني أرى أن الأسرة حينما تذهب بمشاكلها إلى أشخاص بعيدين كل البعد عن أجواء محل النزاع فإنه ينبثق من وراء هذا التصرف مثلبان هما:
المثلب الأول: إن الذين يُعهد إليهم مهمة الإصلاح الأسري هم عادة لا يعرفون كيف تأتت المشكلة وأنهم لم يعيشوا في أجوائها وكيف انبثقت مشاكل الأسرة!! وأنه لما كانت الحالة هذه فإن الحلول التي يدلون بها تكون حلولا غير صائبة أحيانا لبعدهم وعدم تحسسهم لتلك الأسباب التي نشأت بسببها النزاعات الأسرية، وإن القفز السريع لتفهم أحوال الأسرة التي بها نزاع تكون الحلول حلولا هزيلة لا تؤتي أكلها بسبب هذه الحيثية، إن الله تعالى في وحيه الطاهر قد بين لنا من هم الأشخاص المناط بهم إصلاح الخصام الذي ينشأ بين الأسر، وقد جسده الله تعالى لنا بآية كريمة تعد من معاريف وأحكام القرآن الكريم قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} (النساء 35) - إذا بهذه الآية الكريمة نفهم أن المناط بالإصلاح بين الأسر ولاسيما الزوج والزوجة هو بعث حكما من أهله وحكما من أهلها لأن أهل الزوجين كما قلت آنفا هم على دراية وافية بسبب قربهما للأسرة التي وجد فيها النزاع ومن ثم تكون حلولهما صائبة، وأنه لما كان لا يخلو في كل أسرة من حكيم وذا رأي صائب فإن القرآن عهد لهما بإصلاح ذلك الخلل، وهنا قفز إلى ذهني شيء مهم ألا وهو أنه لما كانت الأسرة تتكون من ركنين وهما الأب والأم فإذا ما صلحا - صلح ما تحت أيديهما من أولاد، إن التمزق الأسري وشتاته وضياع الأبناء هو منبثق من عدم وجود بيئة جيدة حاضنة لهؤلاء الأولاد فبصلاح الأب والأم والانسجام بينهما هو كفيل بصلاح الأولاد، والقرآن الكريم قد سبقنا إلى فحوى هذه النقطة فلم يبين لنا إلا الشقاق بين الأب والأم والذي يتأتى منه مخرجات غير جيدة ألا وهي فساد الأولاد.. إذا من هذا وذاك يرشدنا وحي الله الطاهر أن الذين يقومون بالإصلاح هم من الأهل لا من الغرباء الذين لا يمتون بصلة تذكر إلى هذه الأسر التي يوجد فيها النزاع.
المثلب الثاني: أننا إذا عهدنا بالإصلاح إلى أناس بعيدين كل البعد فإننا والحالة هذه سوف نضع هذه الأسر في حرج وهو الاطلاع على خصوصيات هذه الأسر وتسريب أحوالهم وإفشاء أسرارهم وأنه لما كانت للأسرة قدسية في المجتمع لا يمكن مساسها ولا تآكل خصوصياتها فمتى عزونا إلى إصلاح فساد هذه الأسر إلى هذه اللجان البعيدة عن خصوصيات هذه الأسر فإنه بطبيعة الحال يبدأ أفراد المجتمع يتفكهون على سوءات هذه الأسر المحترمة، ناهيكم أنه أحيانا يكون ضمن هذه اللجان أفراداً ليسوا مؤهلين لسبب أو لآخر.
وإذا ما خرجت المشاكل الأسرية عن نطاق الحكمين فإني أقترح والحالة هذه أن ترحل هذه المشاكل إلى جهات متخصصة وذات مهنية جيدة في هذا الصدد، ويكون الحكمان هما همزة الوصل ويتماسان مع هذه الجهات المختصة، وفي الختام إني لا أنكر أن لجان الإصلاح الأسري قد حققت بعض النجاحات وذلك بلم شعث أسر عديدة، ولكني أقول: إنه كلما كان القائم بالإصلاح الأسري قريباً من محل النزاع فالنجاحات أكثر والوقت يُختصر. وشكري لكل من ساهم في لم شتات أسرة مزقها النزاع.
والسلام عليكم،،،،،،،،،