|
الجزيرة - حواس العايد:
أجمع اقتصاديون على أن إعادة هيكلة سوق المال السعودية وتطويرها وجعلها جاذبة للاستثمارات لا طاردة لها تشكل التحدي الأكبر في المرحلة الحالية، كونها عوامل إيجابية تصب في صالح استقرار السوق، وبالتالي دخول شركات مساهمة كبيرة تضاف إلى قائمة الشركات الأخرى.. وأشاروا في حديثهم لـ»الجزيرة» إلى أن مرحلة التأسيس الأولى بالكاد وضعت خلالها أهم اللوائح التنظيمية لعمل السوق؛ أما المرحلة الثانية فقد كانت مرحلة توسع وتفصيل أكثر في التنظيم وطرح اللوائح المنظمة للعمل.. في حين كانت أبرز سلبيات هذه المرحلة تطبيق سياسة تعميق السوق بالاكتتابات والتي اتضح عدم نجاحها في توجيه السيولة للاستثمار وإخفاقها في حماية مدخرات المكتتبين في معظمها، لذا فالحديث عن هذه المرحلة الجديدة مع تعيين الأستاذ محمد آل الشيخ رئيساً لهيئة سوق المال لا يتناول انخفاض أسعار الشركات المساهمة بل يتناول انخفاض القيم الدفترية لها بخصوص الإدراج، فالجميع يتطلع لمرحلة جديدة تخلق مزيداً من الثقة في السوق.
وقال الأستاذ خالد المقيرن نائب رئيس مجلس إدارة غرفة الرياض: إن أي سوق مال يجب أن يعتمد على أنظمة عادلة وحامية لأداء السوق ما يوفر بيئة استقرار، ويعزز جوانب الثقة لدى المستثمرين، مؤكداً أن سوق المال السعودية تحتاج لدخول شركات إضافية كبيرة، وتجنب الأخطاء السابقة والتي تمثلت في دخول شركات أوقعت الضرر بالسوق أكثر مما نفعته.
من جانبه أشار الاقتصادي فضل البوعينين إلى أن التحدي الأكبر في سوق المال السعودية ربما ارتبط بإعادة هيكلتها ورفع كفاءتها وتحويلها إلى سوق جاذبة، وقادرة على امتصاص السيولة وتحويلها إلى ثروات مالية تسهم في دعم الاقتصاد وتعالج أخطاء الماضي لتعود الروح والنشاط إلى سوق المال، الذي يعتبر السبيل للتنفيس عن سوق العقار والضغط على أسعارها بشكل تدريجي للوصول بها إلى نقطة التعادل بدلاً من تركها دون معالجة حتى انفجار فقاعتها.. كما طالب البوعينين بزيادة الشفافية بما يضمن وصول المعلومة المهمة لجميع المتداولين والمستثمرين وحملة الأسهم في وقت واحد وتتبع أوامر البيع والشراء المخالفة التي تبنى على معلومات داخلية يتم الكشف عنها بعد إجراء عمليات الشراء في الأخبار الإيجابية والبيع في الأخبار السلبية خاصة الأوامر الضخمة وتطبيق مبدأ عكس القيود في السوق وبما يضمن تجريد المخالف من أسهمه في حال الشراء وإعادتها لمالكها الأول الذي باعها على جهل بالمعلومة أو إرجاعها له في حال البيع ودفع القيمة للمشتري الذي اشترى وهو لا يعلم شيئا عن أخبار الشركة السيئة؛ بمعنى آخر إبطال عملية التداول المشبوهة وعكس قيودها بما يحقق العدالة للجميع.. أما أن تذهب أرباح المخالف إلى هيئة السوق ففي ذلك ظلم للمتضررين ومنفعة غير مستحقة للهيئة.. وقال البوعينين:» إن وقف الاكتتاب وإعادة النظر في آلية الطرح بما يضمن عودة الثقة للسوق وإعطاء السوق الأولية فترة إمهال للمراجعة أمر في غاية الأهمية، إضافة إلى إيقاف طرح أسهم الشركات الضعيفة وإعادة النظر في علاوة الإصدار ومنع احتساب علاوة إصدار تفوق القيمة الاسمية للسهم، ويجب تقييد احتسابها في أضيق الحدود للشركات الكفوءة التي تستحقها، وأن تذهب الأموال المحصلة من علاوات الإصدار للشركة لا جيوب الملاك والاستفادة منها في تمويل مشروعاتها التوسعية وتطويرها وإدراج الشركات الضعيفة بعد تحولها إلى شركات مساهمة ورفع رؤوس أموالها من خانة الملايين إلى خانة المليارات في أشهر معدودة وطرح أسهمها بعلاوات إصدار ضخمة تسبب في الإضرار بصغار المستثمرين ونزع ثقتهم بالسوق والطروحات الأولية تجارب الطرح السابقة وإدراج الشركات الضعيفة مالياً وإدارياً ينبغي أن تُنَبِه الرئيس الجديد إلى خطورة القبول بطرح وإدراج «الشركات المسمومة» وضرورة تحصين السوق والمستثمرين منها، كما يجب وقف عملية بناء الأوامر التي أثبتت عدم دتها في تقييم السهم المزمع طرحه للاكتتاب، خاصة مع السماح للشركات الاستثمارية بالبيع في اليوم الأول للتداول ما يعني قدرتها على صناعة السهم والتخلص من أسهمها، والتجرد من تبعات انخفاض السهم مستقبلاً. وأيضاً تنشيط سوق السندات الأولية والثانوية وتحويلها إلى سوق مركزية في المنطقة وتحفيز الشركات للاستفادة منها في جانب التمويل ورفع ثقافة المستثمرين بأهمية الاستثمار فيها وبما يحقق مصلحة الاقتصاد؛ وتطوير آليات إدراج الصكوك وزيادة حجمها وتحفيز الاستثمار الاحترافي فيها. وأضاف البوعينين: سوق الصكوك والسندات باتت أكثر التصاقاً بسوقها الأولية، ومنعزلة عن سوق التداول، حيث تبدأ بالإصدار وتنتهي بالتسييل دون المرور بمرحلة التداول النشطة، التي تعتبر المكمل الرئيس لسوق الأسهم والأداة المهمة لمديري المحافظ في تقليل المخاطر وتوزيع الأصول، وأيضاً التعجيل في طرح شركة تداول للاكتتاب العام فلا يمكن أن تسعى الهيئة إلى زيادة عمق السوق بالشركات الضعيفة وتتناسى الشركة الأم التي تدير هذه السوق والتي من المفترض أن تطرح للاكتتاب قبل سنوات وليس اليوم. كما دعا إلى الإعلان بشفافية عن مستقبل الاستثمار المباشر ومتى ستفتح السوق أمام المستثمرين الأجانب.
من جهته قال المحلل المالي الأستاذ وليد العبد الهادي: نتطلع لتأسيس سوق خاصة بأسهم حقوق الأولوية وأسهم الشركات تحت التأسيس مع تطبيق عمليات التسوية فيها وليس نظام التداول اللحظي كما هو جارٍ حالياً، كما نتطلع لتأسيس شعبة في قسم إدارة التفتيش لدى هيئة السوق المالية مهمتها متابعة متحصلات الاكتتاب بعد تغطيته بخصوص وقت التداول.. وأضاف نتطلع لخفض فترة التداول إلى 3 ساعات على أن تكون صباحية حتى تنسجم أكثر مع التسلسل المنطقي لتتابع افتتاح أسواق الأسهم العالمية أما بخصوص هيكل السوق.. وقال العبد الهادي: إننا نتطلع إلى تقسيم السوق إلى سوق أولي يضم أسهم الشركات تحت التأسيس مع نظام تسوية لها، وسوق موازٍ يضم أسهم الشركات المتعثرة والخاسرة مع نظام تسوية لها، وسوق رئيس يضم شركات العوائد بدون نظام تسوية أي نظام التداول اللحظي المعمول به حالياً، بهذا الإجراء حتماً سيصحح نفسه السوق للأعلى ويعكس قيمته العادلة.. وأضاف: بخصوص المنتجات المالية الإسلامية، نتمنى أن يتم اعتماد منتجات مالية جديدة للسوق بشرط مراعاة الجانب الشرعي فيها فعلى سبيل المثال التركيز على الصكوك بدلاً من السندات أو تجنب نظام البيع على المكشوف والمبادلة وتسهيل عمليات المرابحة والمشاركة وتجنب العقود الآجلة التقليدية وتطبيق منتج السلم.. كما نأمل أن تنجح الهيئة في خفض نسبة الودائع الادخارية في النظام المصرفي إلى النصف بإعادة الثقة للسوق وإقناع أصحاب هذه الودائع ذات القيمة الضخمة في البلاد للاستثمار في سوق الأسهم، من جانبه اكتفى الأستاذ محمد العمران المحلل الاقتصادي بالإشارة إلى أن هناك أشياء كثيرة لكن أهمها في هذا الوقت تطبيق نظام السوق المالية ولوائحها على الجميع بشكل عادل.
بدورها قالت ريما آل صقر محاضرة قسم الإدارة المالية في كلية إدارة الأعمال بجامعة الملك سعود: من الطبيعي أن نرى تزايداً في أعداد الاكتتابات خاصة في بعض القطاعات مع تنامي النشاط الاقتصادي المحلي وخصوصاً القطاعات التي تكثر فيها الفرص الاستثمارية المهمة تبعاً لحجم تأثيرها بالاقتصاد الوطني.. فالاكتتاب العام يحقق العديد من الجوانب الإيجابية فهي فرصة لمن يرغب باستثمار أمواله بشركات لا يستطيع هو إنشاؤها وكذلك توجيه لمدخرات المواطنين نحو الاستثمار بدلاً من الاستهلاك وتحسين دخلهم من خلال الأرباح التي يتوقع توزيعها وأيضاً فرصة للشركات لتمويل مشروعاتها بطرق متعددة يتيحها السوق المالي كأحد أهم وظائفه، كما ينبغي على الشركات عدم الاستهانة بموضوع الطرح العام والاستعداد له من جميع النواحي.. وأضافت: نتمنى أن تطبق جميع قواعد الحوكمة وجعلها إلزامية في أقرب وقت ممكن ونأمل زيادة مستوى التنسيق بين الهيئات والجهات الإشرافية المختلفة والمتعلقة بالقطاعات التي تطرح فيها الشركات لتلافي حدوث تعثر أو حتى إفلاسات وبالتالي حماية مصالح المساهمين وكل من له علاقة بالشركات وتطوير آليات السوق بما يساعد على جذب الاستثمارات وخصوصاً المؤسسي للسوق وتنشيط سوق الصكوك والسندات.
فيما قال الأستاذ تركي فدعق مدير الأبحاث والمشورة في شركة البلاد للاستثمار أن أمام هيئة سوق المال في مرحلتها الجديدة عدة تحديات أهمها تقنين دور كل جهة حكومية معنية بالاقتصاد فيما يخص طرح الشركات أو فيما يخص الأوراق المالية أو بمعنى آخر علاقة الجهات الأخرى كمؤسسة النقد ووزارة التجارة وهيئة الاتصالات، حيث يجب أن تكون علاقتها بالشركات التي تطرح بالسوق مقننه وواضحة، وبخلاف ذلك فهيئة سوق المال هي جهة تشريعية وتنظيمية وهنالك تحديات فيما يخص ضبط فتح السوق للاستثمارات الأجنبية وأيضاً هنالك تحديات أخرى كإنشاء سوق للسلع والمعادن في السوق المالية السعودية، كما أن هناك تحديات فيما يخص التقارب بين أسواق المال في الخليج والذي من المفترض أن يحدث حالياً.
من جانبه قال الاقتصادي الأستاذ محمد الضحيان أن هنالك بعض المشاكل التي يواجهها السوق بعد فشل بعض الشركات في مواجهة الواقع المالي لها وذلك نتيجه لبعض التجاوزات الكبيرة من إدارات تلك الشركات وهنالك خطأ رئيس في متابعة تلك الشركات، حيث لم يكن هنالك رقابه مستمرة عن طريق متابعة القوائم المالية، كما قام القطاع المصرفي بتجميد كثير من التسهيلات لبعض تلك الشركات قبل أن تقوم هيئة السوق بتطبيق قواعدها الرسمية وبما أن لهيئة السوق القدرة على تحليل القوائم المالية فلابد أن تقوم بانتداب من تراه من الكفاءات للقيام على هذه العملية للمحافظة على الشركات بصفة عامة. وقال الضحيان: لابد أن ينظر رئيس هيئة المال الجديد في عملية تفعيل القرارات التي تضمن استمرارية وزخم السوق السعودي إذ ليس المطلوب منه المحافظة على السوق فقط وإنما العمل على تطويره.