لحظة تاريخية تستحق أن نقف عندها ونتأمل.. نفرح ونسجل.. نصفق ونهلل وندعو لهن ولهم بأن يكونوا جميعًا عونًا لنا كشعب ولقيادتنا الرائدة بمزيد من البصيرة والرؤية المتعمقة والعمل الجاد.
اللحظة التاريخية كانت الثلاثاء 19 فبراير حينما خطت ولأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية ثلاثون امرأة سعودية على بساط الديوان الملكي ليؤدين القسم في حضرة خادم الحرمين الشريفين كعضوات في مجلس الشوري بتشكيلته الجديدة والتي ضمت مائة وخمسين عضواً منهم ثلاثون امرأة سيبدأن أول جلساتهن الرسمية كعضوات رسميات، وليس مستشارات كما كان حال مشاركة المرأة السعودية في السابق، وذلك يوم غد الأحد بإذن الله.
هل فرحتي بهذا المنجز كوني امرأة وناشطة من هذا البلد؟ نعم وبملء فمي.. فأن تصل ثلاثون امرأة في بلد كالسعودية إلى مجلس الشورى وبمباركة المؤسسة الدينية في البلد الذي عُرف بأنه الأكثر تشدداً في كل ما يخص المرأة فهذا إنجاز. سيردد آخرون أي إنجاز؟ فكل أعضاء المجلس الذي هو في نهاية الأمر مجلس (استشاري) جاءوا عن طريق التعيين وليس عن طريق الانتخاب الذي يرى كثيرون بأنه هو الممارسة الديمقراطية التي يمكن أن تجلب للمجلس الطوائف الأكثر تمثيلاً للتنوعات الطبقية والقبلية والمناطقية والمذهبية والفكرية.. سنذكرهم بأن المسار الديمقراطي لا يولد من رحم الغيب فجأة وأنه يحتاج إلى إعادة صياغة الثقافة السائدة بمحتواها القيمي والعملي حتى يعتاد الناس على الممارسات الديمقراطية ضمن أطر الدولة المدنية الحديثة التي يحاول أبو متعب خلقها.
في مقابل ذلك هناك من لا يرى ضرورة أو أهمية في دخول المرأة أساساً عضواً في مجلس الشورى وأعني بهم التقليديين من المتدينين الذين يلتزمون جانب الحيطة والحذر فتأتي مواقفهم دائماً ضد أي تغيير، وهناك كثير من (المستثقفين) وبعض التوكنقراط التقليديين وخاصة (من يعملون أو عملوا في مواقع هامة في الدولة أو بعض الدعاة الإسلاميين الذين يملؤون وسائل التواصل الاجتماعي ضجيجاً) والذين هم ضد دخول المرأة ضمن طاقم أعضاء الشورى ولكنهم لا يريدون إعلان امتعاضهم من التوجه نحو تجاوز التقاليد والأعراف التي توارثوها عن أجدادهم بما في ذلك إدخال المرأة في المجلس لكنهم لا يستطيعون معارضة الإرادة الملكية التي اتخذت هذا القرار فيلبسون اعتراضاتهم ثوباً تقدمياً بالقول إن وصول ثلاثين امرأة للمجلس لا مانع فيه ولا اعتراض عليه ولكنه أمر نخبوي لا يخدم المرأة العادية أختى أو زوجتى وإنما يخدمها أكثر - كما يقولون - فتح فرص تعليم أو تدريب أو عمل جديدة وأن وصول هؤلاء النسوة هو منصب تشريفي أكثر منه منصب حقيقي سيخدم المرأة..
والرد على هؤلاء أن النساء اللاتي وصلن إلى مجلس الشورى هن خلاصة حزمة الإصلاحات والتطويرات التي أحدثتها الدولة السعودية منذ إنشائها فأتاحت لهن فرص التعليم والعمل، وطورها الملك عبدالله حين بدأ بشجاعة منقطعة النظير في تحطيم جبال القهر التي جثمت على صدر المرأة السعودية لعقود فمنحها مزيداً من فرص التعليم والأبتعاث والعمل في مختلف القطاعات، وها هو يقود هذا الإصلاح التدريجي خطوة خطوة بما يتناسب مع حركة مجتمع إسلامي متدين.
يعنينا أن هؤلاء النسوة اللاتي تم اختيارهن يمتلكن حساً وطنياً عالياً ويدركن أكثر من غيرهن بحكم خبراتهن المتراكمة احتياجات النساء والأطفال والصحة والبطالة وغيرها من القضايا الحيوية من خلال عملهن في شتي المواقع التعليمية والطبية والمدنية، وسيعملن على أن يصل صوت المرأة والطفل والأسرة والشابة إلى قاعة المجلس. يهمنا أن وجودهن حتى لو كان تعييناً في مرحلته الحالية سيخلق نظاماً ثقافياً وعقلياً جديداً يكرس وجود المرأة وصوتها في الفضاء العام وسيخلق اعتياداً ثقافياً كون المرأة مكوناً أساسياً لكل موقف إنساني سواء كان في داخل الأسرة أو في مؤسسة حكومية أو خدمية أو قضائية أو إنسانية، كما قدر الله لها، وكما هي وظيفتها منذ خلق البشر على هذه الأرض.
لم تتعود البشرية على هذا الفصل الذي عزل المرأة ضمن تفسيرات ثقافية وتقليدية محدودة أعطيت تفسيرات دينية متشددة وهي لا تمت للإسلام بصلة، فحين نراجع سيرة السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها يتلقفنا ألف عجب من قوة التمكين الهائلة التي تمتعت بها هذه المرأة التي عملت بالتجارة واستخدمت النبي ضمن من يعملون لديها ثم طلبت (هي) أن تتزوجه ولم تأبه بالفارق الزمني بينهما والذي كان يربو على عشرين عاماً وبقي الرسول وفياً لها لم يتزوج عليها حتى ماتت! فلابد أن هذه الصورة الرائعة المشرقة لم تولد وتتكرس إلا مع سيد الخلق رضوان الله وصلواته عليه، وإذا كان لنا أن نكون ولو أثراً إثر عين من محبوبة حبيبنا سيد الخلق خديجة فلنا أن نكون... طوبي لنا بتتبع سنة نبينا بتكريم نسائنا ووضعهن حيث يجدر بهن أن يكن، ومبارك علينا مليكنا الذي ندعو له بالصحة والعافية وطولة العمر وهو بحق رجل في زمن قل فيه الرجال.