انتهت فتنة حادثة الحرم بعد ثلاثة أسابيع من الأحداث الدامية وتوقف الصلاة في الحرم المكي الشريف، وقتل عدد كبير من الأبرياء من الحجاج ومن الجنود، وطويت صفحة هذا الحدث المؤلم؛ لكن آثاره على الحياة الثقافية والاجتماعية كان قوياً؛ فحول بدايات الانفتاح الذي كان سببه تدفق المال والاشتغال بتأسيس البنية التنموية الحديثة للبلاد بما تستدعيه من قدوم شركات أجنبية بطواقمها العاملة من خبراء وعمال، وبما بدأ المجتمع الأخذ به من مظاهر التمدن والرفاهية والانتقال من السكن الشعبي في الأحياء القديمة إلى نمط من المعمار الحديث في الأحياء الجديدة، وإن خالط هذه الطفرة العقارية ما خالطها من عشوائية وأخطاء وتنافر وتقليد واستنساخ وسوء تنظيم؛ لحداثة التجربة، ولضخامة وكثافة حركة البناء، ويبدو أن المجتمع والدولة قد أصيبا بصدمة هائلة من ردة الفعل على سنوات الانفتاح القليلة، وما كان المخططون ولا المتابعون يتوقعون أن يكون رد الفعل على نحو ما حدث في الحرم الشريف؛ فاعتمدت الدولة خطة محافظة جدا في وسائل الإعلام وغيرها لترشيد خطوات الانفتاح والسعي إلى التحديث بخطى متأنية متئدة؛ لضمان حصول أقل قدر من رد الفعل الاجتماعي؛ وقد ساعدت هذه السياسة المحافظة على نمو الاتجاهات الراديكالية خلال العقدين الماضيين اللذين سبقا أحداث 11 من سبتمبر؛ لما تهيأ لها من بيئات مفتوحة مناسبة للعمل والتجنيد والاستقطاب، وهو ما أنتج لاحقاً وبأسباب أخرى كغزو السوفييت لأفغانستان تيارا عميق التشدد، تفرخ منه تيار أكثر غلوا نحا في ما نحا إليه في بعض أفكاره إلى التكفير والتفجير!
كان غزو العراق للكويت فجر يوم الخميس10 من محرم 1411هـ الموافق 2 من أغسطس 1990م حدثا مأساويا أحمق بكل المقاييس، وقد نقل الأحداث في المنطقة من الملال الطويل الذي واكب الجبهتين الساخنتين بين العراق وإيران طوال عشر سنوات من 1979م إلى 1990م، وبين الأحزاب والطوائف المتنازعة على الساحة اللبنانية في الحرب الأهلية طوال خمسة عشر عاما من 1974م إلى 1989م ؛ نقلها إلى أن تكون منطقة الخليج مركز الاهتمام الأول في العالم؛ حيث احتشدت جيوش ثلاثين دولة في المنطقة ودارت على أرضها معركة عاصفة الصحراء التي أخرجت العراق من الكويت وأدت في النهاية إلى إسقاط نظام البعث وإعدام صدام حسين في فجر يوم عيد الأضحى 10من ذي الحجة عام 1427هـ الموافق 30-12- 2006م وتسليم العراق جملة وتفصيلا إلى إيران وتمكينها من فرض نفوذها المتزايد على المنطقة بدعم أمريكي واضح؛ لإضعاف ما تعتقد أمريكا أنها تيارات سنية متطرفة لا تنسجم مع الحضارة الغربية ولا ترضى بما تخطط له أمريكا في المنطقة من إعلاء وتمكين إسرائيل ومنح إيران فضاء أوسع لتثبيت أقدامها في أكثر من موضع بالمنطقة لكسر شوكة الإسلام السني المتطرف كما تزعم السياسة الأمريكية!
ولكن الأمور لا تسير على ما يخطط له السياسيون عادة في كل حال؛ فتقع أحداث 11 من سبتمبر لتقلب الحياة السياسية في العالم رأساً على عقب؛ ويبدأ فصل جديد من تاريخ الشرق والغرب حافل بالحروب والغزوات وإسقاط دول وزعامات ونشوء فكر جديد عاصف هو من آثار تلك الأحداث وتتالياتها؛ هو ما نعيشه الآن من سنتين بما سمي بالربيع العربي الذي أسقط الأنظمة العسكرية المستبدة وأشعل في المنطقة حركة تغيير هائلة في الأنظمة والحقوق وارتفاع صوت الشارع وخفوت صوت الزعامات؛ ولا نعلم بعد إلى أين يسير هذا الربيع الذي تصحر وأصبح خريفا في بعض البلدان، وأدمى ودمر وأحرق وقتل مئات الآلاف من الأبرياء التواقين إلى الحرية في سوريا بعد أن انطلق أولاً من تونس ثم مر بمصر وليبيا واليمن ولا زال متأجج الأوار مرتفع اللهب يكاد يشتعل في العراق!
بين حرق الأقصى والحرم المكي عشر سنين، وبين غزو العراق وأحداث الحادي عشر من سبتمبر عشر سنين، وبين الأخيرة والربيع العربي عشر سنين، فماذا يمكن أن يقع مطلع العقد القادم من أحداث تغير وجه الحياة في عالمنا العربي أو الإسلامي أو العالم؟! علم ذلك عند الله سبحانه؛ لكن الإشارات توحي بأن زمن الركود الطويل قد ولى، وأن إيقاع التغيير بتأثير الإعلام الخاص وقنوات التواصل الاجتماعي لا يمكن التنبؤ به ولا بما يخفيه من أسرار تتفجر فجأة وبدون توقعات وبدون مرور عقود!.
moh.alowain@gmail.commALowein@