- يكفي أن تتتبّع تاريخ هذا الرجل الكبير؛ منذ ولادته في العام 1339هـ؛ حتى وفاته- رحمه الله- سنة 1432هـ، لتعرف أنك أمام شخصية غير عادية. شخصية خدمت وطنها ومواطنيها في مراكز قيادية عديدة، بدأت بإدارته لمعهد الأحساء العلمي عام 1373هـ، ليخدم بعد ذلك قيادياً في كليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض،
ثم رئاسة القضاء، ووكالة المواصلات، ومصلحة المياه، ثم أول رئيس لنادي الرياض الأدبي.
- من المؤكد أن الشيخ عبد الله بن خميس رحمه الله، قد أبلى بلاءً حسناً في عمله الوظيفي طيلة مدة خدمته، لكنه أعطى عطاءً منقطع النظير في عمل آخر موازٍ لكل أدواره العملية والقيادية. عمل أحبه وأخلص له، وأفنى حياته من أجله، إنه البحث والدراسة، والسعي الحثيث وراء المعلومة الصحيحة، كما كان يفعل علماء وسلف هذه الأمة في أزمنة غابرة، يوم كانوا يرتحلون من قطر إلى آخر؛ لتوثيق حديث شريف، أو للوقوف على معنى كلمة وردت في نص قرآني.
- هذا هو الشيخ ابن خميس، كان قامة علمية فارعة، وهامة أدبية بارعة، تبحث وتنتج وتعطي في كافة المجالات، الأدبية والتاريخية والجغرافية والشعرية واللغوية. تتلمذ عليه وعلى كتبه ودراساته وبحوثه، آلاف الطلاب والباحثين، الذين ظلوا أوفياء لأستاذهم، أمناء مع مدرسته العلمية والبحثية.
- عرفت الشيخ (عبد الله بن محمد بن خميس) أول مرة؛ من كتابه الشهير: (المجاز بين اليمامة والحجاز). لا أدري كيف كنت في تلك الفترة وأنا على مقاعد الدرس، أحلم وأسعى لكي أقلد هذا الباحث الكبير، في رحلاته العلمية، وفي قوفه على المعالم الجغرافية، وطريقة توثيقه لما ورد عنها من أخبار وآثار وأشعار.
كنت سعيداً أن عرفت هذا الأستاذ المعلم بعد ذلك وجهاً لوجه في الطائف المأنوس. كنت.. وكان عدد من المهتمين بالأدب والشعر والتاريخ في طائفنا المأنوس؛ نختلف إليه في داره بالطائف، ونحضر مجلسه الأدبي الليلي، وندعوه إلى مجالسنا في دورنا، فيلبي الدعوة، وتكون فرصة لدعوة وجوه جديدة تلتقي بالشيخ الباحث عبد الله بن خميس. كنت أصحبه في رحلات برية حول الطائف، نزور آثارها، ونقف على معالمها الجغرافية، لأكتشف أنه كان ملماً بكل ذلك من قبل، ولكنه يبحث عن الجديد المفيد دائماً. كنا.. وكان هو على ذلك؛ إلى ما قبل وفاته بسنوات قليلة، حيث انقطع عن الطائف الذي أحبها وأحبته منذ سنوات طويلة.
- إذا كان الشيخ حمد الجاسر- رحمه الله- قد استحق لقب علامة الجزيرة العربية بجدارة؛ في علم التاريخ والأنساب تحديداً ، فالشيخ عبد الله بن خميس، هو علامتها في كافة علومها؛ الأدبية والتاريخية والجغرافية والشعرية..
- وقفة سريعة على عناوين كتبه الخمسة والعشرين، تكفي لإدراك مدى الجهود الكبيرة الذي نهض بها هذا الرجل في حياته، لخدمة تاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها وأدبها: (تاريخ اليمامة- معجم اليمامة- على ربى اليمامة- معجم جبال الحزيرة العربية- معجم أودية الجزيرة العربية- معجم رمال الجزيرة العربية- المجاز بين اليمامة والحجاز - من القائل- راشد الخلاوي- الشوارد- من أحاديث السمر- الدرعية- شهر في دمشق- محاضرات وبحوث- من جهاد قلم- فواتح الجزيرة- أهازيج الحرب أو شعر العرضة- الأدب الشعبي في جزيرة العرب- بلادنا والزيت- رموز من الشعر الشعبي تنبع من أصلها الفصيح- جولة في غرب أمريكا- تنزيل الآيات - شواهد الكشاف- إملاء ما مَنّ به الرحمن- أسئلة وأجوبة).
- إن سعادتي لا توصف؛ بعقد هذا اللقاء العلمي عن المرحوم الشيخ (عبد الله بن محمد بن خميس)، الذي تنظمه (دارة الملك عبد العزيز)، بالتعاون مع النادي الأدبي في الرياض؛ برعاية كريمة من سمو ولي العهد (الأمير سلمان بن عبد العزيز) مساء يوم الثلاثاء القادم. في هذا اللقاء العلمي المنظم؛ على هذا المستوى المرتفع من الأبحاث والدراسات المقدمة، ومن ورقات العمل في حلقات النقاش، تكريم لأدوار ابن خميس، وتخليد لتاريخه وآثاره، وعرفان بأفضاله وجهوده، ودلالة على إدراك قيمة الرجل ميتاً، كما قد قُدِّر وكُرِّم في حياته رحمه الله على مستويات عدة.
- إن في تكريم الشيخ عبد الله بن خميس في العاصمة الرياض، تكريما للعلم والعلماء في كل شبر على ترابنا الوطني، وتقدير للأدب والأدباء، وتمجيد للباحثين والدارسين، وتخليد لأسماء أعلام في بلادنا، أعطت من جهدها ومالها ووقتها الشيء الكثير، دون تكليف أو طلب من أحد، حتى أضحت أعمالها الناجحة؛ تنوب عنها في الحديث عنها، فما أكثر هذه الأسماء بيننا، وما أجلّ وأعظم ما أعطت وقدمت لبلادها ووطنها في كافة المجالات، وشتى الميادين.
- نبغ -رحمه الله- في الشعر العربي بجناحيه الشعبي والفصيح، وأوردت له في معجمي: (الشوق الطائف حول قطر الطائف)؛ نصين بديعين، فقد زار قصر شبرا التاريخي وقال فيه:
في قصر شبرة آثار وأخبار
وفيه من واقع التاريخ أسرارُ
إنا أتيناه زواراً على عجلٍ
فاستكمل الفن والآثار والدار
- وقال- رحمه الله- في دار التوحيد بالطائف التي تخرج فيها- وقد أوردت هذه القصيدة كذلك في معجمي الشعري.. قال منها:
أزج القريض وجاوب الجندولا
وابعث صداك مرتلاً ترتيلا
هزجاً تشاطرك الغناء حمامة
تدعو على فنن الأراك هديلا
ما هز أوتار العواطف وقعه
تأتي له لغة القريض ذلولا
يترنح الأعطاف شاعره له
ويجيء شعراً ناعماً معسولا
يحلو المديح إذا أنيط بأهله
وأراه في غير الكرام فضولا
- كلمة شكر لا بد منها؛ للقائمين على دارة الملك عبد العزيز، ونادي الرياض الأدبي، في هذه المناسبة الوفائية لعلم شهير هو عبد الله بن خميس، وعسى أن تشمل بهذا البرنامج الوفائي في المستقبل؛ أسماء أخر لامعة وشهيرة في بلادنا العزيزة.
H.salmi@al-jazirah.com.saalsalmih@ymail.com