لم تعد قضية تهريب الأسلحة عبر المياه الإقليمية اليمنية، وتورط إيران وراء تلك الشحنة التي ضبطت - مؤخرا - في بحر العرب، وهي في طريقها لإحدى الجهات اليمنية، حديثا هامسا بين السياسيين، بل تعداه إلى المجاهرة على أعلى المستويات الرسمية، - باعتبار - أن الحقائق على أرض الواقع، تشير إلى تجدد ملامح التوتر بين البلدين، بعد أن توجهت الأنظار الإيرانية إلى اليمن، - كونه - لاعبا إقليميا مؤثرا؛ لتستخدم إيران بعدها الإستراتيجي في المنطقة، وتمرير أجندتها بما يتماشى مع أطماعها الإقليمية، والتوسعية، وزيادة نفوذها في منطقتي - البحر الأحمر، والبحر العربي -، وخليج عدن.
ولأن اليمن يعاني من طبيعته الهشة، وضعف مؤسساته، وشح موارده، فإن القناعات تتأكد - يوما بعد يوم -، وتفسر السياسات، وتكشف الحقائق حول سعي إيران إلى زيادة قوتها الإقليمية. ومن ذلك: استباق أي خسائر يمكن أن تلحق بها، نتيجة ثورات الربيع العربي - كما يُزعم-، فتشكل ورقة ضغط؛ من أجل التفاوض على ملف الترسانة النووية الإيرانية، وإيجاد موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربية، وجعل اليمن ساحة صراع مفتوحة؛ للضغط على الدول المجاورة، وحتى تكون قريبة من مضيق باب المندب، في حال نشوب حرب مع أي جهة أخرى، - وبالتالي - فإن العمل على خلق أرضية من القبول؛ للتنسيق مع الحوثيين، سيمثل بالنسبة لإيران قوة، لا يمكن التنازل عنها.
في المقابل، فإن تعدد مجالات التدخلات الإيرانية في اليمن واقع ملموس، إذ تشير التقارير الدولية: إلى قيام إيران بإنشاء قاعدة لها في إريتريا؛ لمد الحوثيين بالسلاح، وذلك عبر رحلات بحرية إلى المناطق القريبة من سواحل مينائي - مِيِدي، واللُّحَية -، القريبين من صعدة. وهذا ما يجعلنا نؤكد على أنه: لولا وجود الحركة الحوثية، لما كان لإيران أن تتغلغل في اليمن.
مرة أخرى، فإن المخاوف تتصاعد إزاء مواصلة إيران تمويل متمردي اليمن، ما يثبت أن السياسة الإيرانية قائمة على إيقاظ الفتنة، وإثارة الفوضى، وبث الشقاق، وتفعيل الصراع، تحت شعار تصدير الثورة الخمينية إلى دول المنطقة. وهذا ما جعل عنصر المفاجأة، يتوالد مع دعم طهران - أيضا - لبعض الفصائل في الحراك الجنوبي؛ لشرعنة الانفصال، وهو ما يعتبر سلوكا عدوانيا، وانتهاكا للقانون الدولي.
من حيث المبدأ، فإن التدخلات الخارجية مرفوضة، والمحافظة على الوحدة الاندماجية في اليمن مطلوبة؛ ولأن إيران تسعى - مع الأسف - إلى إعادة الأمور إلى مربع الصفر، وإحباط التسوية السياسية وفقا للمبادرة الخليجية، التي نصت على: ضمان وحدة اليمن، وكذلك قراري مجلس الأمن رقم ( 2014 - 2051 )، واللذين أكدا على ضمان وحدة، واستقرار اليمن، - ومثلها - المواقف الرسمية المؤيدة للوحدة، الصادرة عن جميع الدول المهتمة باليمن. وعكس ذلك، سيخلق حالة من عدم التوافق بين جميع الأطراف، والقوى السياسية. وسيبقي الباب مفتوحا على مصراعيه؛ للعبث بسيادة اليمن، إذا ما استمرت التدخلات الخارجية، - لاسيما - وأن اليمن لن يستطيع بمفرده مواجهة التحديات التي يمر بها، وهو الذي صُنف في عام 2011 م، ضمن ما ورد في التقرير الخاص بالدول الفاشلة، بعد أن احتل المرتبة الثامنة.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية