|
إن كان لأفلاطون منافس في خياله عن المدينة الفاضلة، فقد انتصبت تماثيل التصور والخيال المنافسة له على أنقاض التراث والأثر في بلدة الخبراء، على يد المشرفين والمنفذين لتهيئة بلدة الخبراء التراثية، رغم أن البلدة رفعت مساحياً من قبل دكاترة مهندسين أساتذة في الجامعات من أبنائها الذين عاشوا سنين طفولتهم وصباهم في أحيائها وبين أزقتها، وغيرهم ممن كلفوا بالدراسات، وتم تصويرها جوياً وأرضياً، إلى جانب كبار السن من أهاليها وروادها وبقية من كل شيء من مكوناتها. لا تسمح بالاجتهاد في تخيل كيف كان طراز عمارتها، وهيئة مرافقتها الأمنية كالسور وأبراج المراقبة والمآذن. ولانعدام وجود مختصين في ترميم وصيانة التراث، وتحديد الآثار في مواقعها فأطلقت يد فرع السياحة بالقصيم وبلدية الخبراء لتهيئتها.
ووفق الخيال والتصور لما كانت عليه، حتى أن ما كان علم من مواقع أثرية بلوحات إرشادية من قبل إدارة الآثار في وزارة المعارف آنذاك أتلفت تحت جنازير المجنزرات للجهل بأهمية الأثر في تاريخ الأمم وهو ما يجب أن يحاسب عليه وعدم التجاوز عنه، فمن لا يقدر قيمة ماضيه لا ينتظر منه تقدير حضره، فأبراج المراقبة أصبحت مصايد في التراث النجدي، بينما كان تصميم المرقب يتيح للرقيب مشاهدة القادم دون أن يشاهده القادم، فأصبح القادم من بعيد يرى ما وراء السور والمرقب، ولا تزال بقية من المراقب والسور تشهد بصدق رواية كبار السن، حينما قالوا: إن قاعدة السور أكثر من ثلاثة أبواع، وعلى قمة السور ينام الرجل ولا يخاف، كناية عن عرضة، والمرقب يحتويه هذا العرض للسور، ولا يكتشف المرقب لتداخله مع السور، ومما تمخض عنه خيال المشرفين والمنفذين فقد نتج عنه مراقب خارج السور على هيئة اسطوانية الشكل والاستدارة، بفتحات تفضح المرشد السياحي فيما لو زعم أثناء شرحه للزائر أن الرقيب يرى ولا يُرى وأنه مرقب أمني، وأنه محمي بالسور الذي سمكه يتجاوز المتر والنصف بمقاييس اليوم، وما يشاهده الزائر لهذه البلدة مجرد هدم وإعادة بناء، أي إتلاف متعمد لأثر أو تراث قائم، بأيادي عمالة وافدة تجهل طبيعة البيئة وطبيعة التربة والمونة، شاهدتهم عملوا مجتهدين يشيدوا جدار ما يسمى بالعروق، وبعد ساعة ينفصل بعضه عن بعض لعدم معرفتهم بنسب خلط الرمل مع طين بلدة الخبراء التي تميزت بتربة طينية مختلفة عن غيرها بمزاياها المتأتية من طمي سيل وادي الرمة منذ أجراه الله. وقد شاهد الزوار بما فيهم الوفد الصحفي الذي زار البلدة قبل فترة من عدد من الصحف المحلية جدارا مبنيا بالعروق وليس باللبن سقط اقتلاعا من ساسه لعدم الصيانة، وظلت العروق متماسة كما لو كانت قضبانا حديدية لم تتكسر ولم تنفصل من بعض وربما ان بناءها قد تم قبل 250 سنة حسب موقع من البلدة، مما يضطر العمالة لعملية تلييس العروق لإخفاء الشقوق. هذا غيض مما يجري من إتلاف للأثر التراثي بالخبراء القديمة بإخفاء المعالم المشهورة فيها، فإن كان لي عودة لهذا الموضوع باستمرار لإتلاف الحاصل بيت الكثير.
إبراهيم بن موسى الطاسان - الخبراء - القصيم