Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 26/02/2013 Issue 14761 14761 الثلاثاء 16 ربيع الثاني 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

منذ وُضع حجر الأساس لأول جامعة في بلادنا ونحن نأمل في تطوير البحث العلمي. وجسدتْ الدولة اهتمامها بالبحث العلمي بإنشاء مركز وطني مستقل للعلوم والتقنية ما لبث أن تم تحويله لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في عام 1985م،

وفي عام 2006م تمتْ الموافقة السامية على وثيقة السياسة الوطنية للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية بالاشتراك مع وزارة التخطيط، أملاً في ربط البحث العلمي بحاجات التنمية. واشتملت الوثيقة على ثلاثة فصول، الأول منها الإطار العام الذي رسمت على ضوئه السياسة الوطنية للعلوم والتقنية في المملكة استنادًا إلى رصد أهم المتغيرات الكبرى في عالمنا المعاصر، وتوقع لمساراتها المستقبلية في العقدين القادمين، مع استعراض أهم التحديات والفرص الناشئة عن تلك المتغيرات وتأثيراتها المتوقعة، وذلك في ضوء الموارد والإمكانات العلمية والتقنية الوطنية المتاحة، والتوجهات التنموية المستقبلية للمملكة.

وهذه الوثيقة -بلا شك- تعد الخطوة الأهم في مسيرة البحث العلمي، إذ إنها رسمت الخطوط العريضة لمستقبل البحث العلمي في المملكة، وأبرزت أهمية البحث العلمي. ومن جهود المملكة المعروفة عالمياً إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي تستقطب باحثين ودارسين من مختلف أنحاء العالم في مجالات علمية حيوية متعددة. ولدى معظم جامعاتنا برامج بحث وطنية ربطت بهذه الإستراتيجية العامة.

غير أن التمعن في هذه الخطط يوضح لنا أنها ترسم الخطوط العريضة لآليات دعم البحث دونما تطرق لآليات إدارة البحث العلمي. فإدارة البحث العلمي تختلف عن مفاهيم الإدارة البيروقراطية المعهودة التي نوكلها عادة لإدارات الشؤون المالية والإدارية. وربما تكون أصعب مرحلة للتخطيط للبحث العلمي هي إنشاء الهياكل الإدارية البحثية الفاعلة، وهي عادة هياكل تتطلب معرفة معمقة بإدارة موارد ومتطلبات البحث العلمي، وبالقدرة على مواءمة الإمكانيات مع الأهداف. فالبحث العلمي الذي لا يكون له مردود أكثر مما يصرف عليه على المدى الطويل يعد استثماراً خاسراً بكل المقاييس.

الوثيقة تركز على الأبحاث المهمة للاقتصاد الوطني ولمستقبل المملكة، وتحديد هذه الأهداف بشكل دقيق، وتحديد آليات الوصول إليها يتطلب في حد ذاته جهوداً بحثية لا يستهان بها. ولو استطعنا تحديد أهدافنا البحثية بشكل دقيق لاستغنينا عن العبارات العامة الفضفاضة من قبيل: الابتكار، والتميز، والإبداع، ولاستعضنا عنها بعبارات تتعلق بتقييم مدى تحقق الأهداف الدقيقة لبحثنا العلمي. ويكفي أن نلقي نظرة على قائمة الأبحاث التي تنتجها بعض مراكزنا البحثية لنعرف أنها تتعلق بمجالات ضيقة متباعدة لا روابط بينها، وتخضع عادة لتخصص الباحث الدقيق أكثر مما تصب في خطة واضحة للبحث العلمي الوطني. وأصبح هدف الكثير من مراكز البحث لدينا هو النشر في قوائم علمية بصرف النظر عن أهمية ما يُنشر بالنسبة لواقعنا ومجتمعنا أو خططنا الوطنية. فالبحث للنشر فقط يختلف في طابعه عن البحث العلمي للتطبيق العملي الفعلي.

وفي السنوات الأخيرة سمعنا كثيراً عبارة تتردد على كل لسان، وهي الوصول “لمجتمع المعرفة”، ورغم كثرة ترديد هذه العبارة إلا أن أحداً لم يحدد بالشكل المطلوب ما طبيعة هذا المجتمع الذي نريد الوصول إليه: هل هو مجتمع يستنير بالمعرفة؟ أو مجتمع يدار بالمعرفة؟ أو مجتمع يصدّر المعرفة؟ ولا أحد يشكك بأهمية المعرفة في عصر تتسابق فيه الشعوب في مجالات العلوم والتكنولجيا سباقاً محمومًا جعل بعض المحللين يعتقد أن التكنولوجيا أضحت تتحكم بالإنسان لا العكس. ولا أحد أيضاً لا يتمنى أن نتحول لمجتمع للمعرفة، ولكن هل هذا ممكن في سنوات معدودة؟ وأي معرفة نريد أن ننتج أو نصدر؟ هذه التفاصيل تبقى عادة خارج عباراتنا البلاغية التي نرددها عن تقدم البحث العلمي لدينا.

صرفنا أكثر من غيرنا للولوج إلى عالم المعرفة وما زال ولوج هذا العالم مستعصياً علينا رغم ما نصرفه من أموال وجهود. وكثير من الدول تحسدنا على حجم ميزانيات التعليم العام والتعليم العالي لدينا لأنها هي أيضاً تحاول الولوج إلى عوالم المعرفة بميزانيات أقل من ميزانياتنا بكثير، وربما يكون بعضها نجح فيما نحاول نحن الوصول له بإمكانيات أقل مما نوفره نحن، وهذا مؤشر على أن المال وحده ليس كل شيء بالنسبة للتقدم العلمي، وإنما هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية بغيابها نستمر في طرق الأبواب الموصدة في الولوج لمجتمع المعرفة.

وليعذرني بعض من أشاد ويشيد بما تحقق دون تقييم حقيقي موضوعي، وبعض من صرفوا ويصرفون أموالاً هامة مخصصة للنهوض بالعملية التعليمية في أمور جانبية من مؤتمرات وورش عمل يدعى إليها أناس من أقاصي الأرض ليشرحوا لنا تجربتهم في الوصول لمجتمع المعرفة أن كثيراً من هذه المؤتمرات قد لا تحقق الأهداف المرجوة منها، وفي كثير من الأحيان يستفيد منها المدعو وقد لا يستفيد منها الداعي. فالمؤتمرات العلمية تعقد عادة حول مسائل علمية أكاديمية محددة سلفاً بشكل دقيق في خطط البحث العلمي الوطنية، ويدعى لها المبرزون في مجالاتها المحددة، ولا تعقد لأخذ آراء المدعوين في مسائل تتعلق بتحديد أهداف وأولويات البحث، أو أساليب التميز، أو تحسين الأداء، فهذه أمور يجب علينا أن نعرفها ونحددها قبل الشروع في البحث عن المعرفة في الخارج، وكما أسلفنا فتحديد مجالاتنا البحثية يعد بحثاً في حد ذاته لا يمكن لأحد أن يقوم به نيابة عنَّا. وأصول وفلسفة البحث العلمي، والتخطيط البحثي علوم لا بد لنا من إجادتها قبل التفكير في الاستعانة بأجانب يضيئون لنا مجاهل دهاليز علمية نجهلها. ولذلك فلا عجب أن تتحول بعض هذه الندوات والمؤتمرات إلى نوع من الدعاية والعلاقات العامة.

والبحث العلمي لا يمكن أن يكون في كل شيء وأي شيء، ولا بد أن تكون مجالاته ذات علاقة وثيقة بحاجات معينة في المجتمع، فبحث في المياة حول تنقية مياه الأنهار في بلد آسيوي تلوثت مياهه بمخلفات المجاري قد يكون رائعاً ويستحق أعلى الجوائز، ولكنه غير مفيد لنا، ونحن لا نحتاج أن نستقدم باحثين في مجالات المياة من دول تعاني من وفرة في المياه، ولكننا نحتاج التعاون مع بلدان صحراوية قاحلة مثلنا تعد عملية توفير المياه مستقبلاً بالنسبة لها مسألة مصيرية، وهنا سنجد التعاون وربما تقاسم مصاريف البحث أيضاً.

ثم أن تشتت مجالات البحث العلمي في كل حدب وصوب في مجالات العلوم المختلفة يشتت التركيز ويشتت الموادر ويجهد الجهات البحثية، ويجب علينا تقدير قدراتنا البحثية بدقة قبل الانطلاق في المشاريع البحثية، وعلى ضوء هذه القدرات نحدد الأولويات ونضع الخطط ونقيم المراحل، فنحن لا نستطيع أن نكون “مجتمع معرفة” أبحاث النانو، والفيزياء النووية، والبرمجة الحاسوبية، والطاقة الشمسية، والتقنيات البيولوجية الخ.. ولكننا نستطيع أن نخطو خطوات بحثية مهمة في بعض هذه المجالات الأكثر حيوية لمسقبلنا، ولذلك فلا بد من هيئة عليا، أو حتى وزارة للإشراف على الجهود البحثية لدينا.

فالعلم محيطات وما نحتاجه منها هو المسالك التي تحدد لنا كيفية الإبحار فيها بأمان يضمن لنا استمرار ازدهارنا الاقتصادي والمعيشي، وواقعنا يقول وبكل أمانة إننا لا يمكن أن نكون مجتمع مصدر للمعرفة على الأقل في عشرات الأعوام القادمة، أو أكثر من ذلك بكثير. والمطلوب اليوم هو -بدون مبالغة- التخلي عن هذا الحلم الوردي، لنقنن على أقل تقدير وبشكل تدريجي مجالات استيرادنا للمعرفة. فنحن، لو نظرنا لواقعنا نظرة علمية، سنجد أننا مستوردين لمعظم أمورنا بما في ذلك أدوات بحثنا، وكتبنا الدراسية، وهيئات تعليمنا، فكيف يا ترى سنتحول لمصدّر لهذه المعرفة؟

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif

“هيئة وطنية للبحث العلمي”
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة