حديث الأوساط الأكاديمية والثقافية هذه الأيام الشهادات غير الشرعية التي حصل عليها أصحابها بطرق يعرفون هم قبل غيرهم بأنها طرق خاطئة وغير نظامية،، وتدخل في دائرة الغش المحرم،، ولعل من أسباب هذا النهج المخل والذي لا يليق بمن يعدون في قائمة القدوة المجتمعية وللأسف الشديد:
) البحث عن الذات بأي ثمن، ومحاولة الوصول لسدة القرار وصدر المجلس والصفوف الأمامية على أي حال هم فيه ولو من الأبواب الخلفية،، لا يهم المهم عندهم الوصول في مجتمع قائم على الشكليات غالباً،،حتى كثرت فيه الشخصيات الفارغة التي تمتلك ولا تكون،، وفرق كبير بين “الكينونة” و”التملك”..
) ولما لحملة الدرجات العلمية في المجتمع السعودي من منزلة اجتماعية جيدة دون أن يفرز ويربط بين الدرجة التي يحملها صاحبها وقوته العلمية في تخصصه الذي يفاخر به ويدعي الانتماء إليه.
) إضافة إلى أن غالبية هؤلاء انخرطوا في التدريب أو الإعلام أو أنهم من رجال الأعمال وهذا باختصار ما يتطلبه سوق العمل ومن مستلزمات البرستيج التسويقي للشخصية فهو جواز السفر الذي يمنحهم حق العبور إلى نفوس الجماهير ويخولهم مد جسور التواصل مع فئات المجتمع المستهدفة التي تتلقى على أيديهم دوراتهم التدريبية أو تستمع لأقوالهم الوعظية والإعلامية.
) إن قناعتنا الشعورية بل وحتى اللاشعورية بأننا بالمال نستطيع الحصول على ما نريد سهلت أمام هؤلاء التوجه لشراء مالا يمكن الحصول عليه إلا بالدراسة وبذل الجهد والسهر، ولو سألت أياً منهم عن حكم غش الطالب الذي هو اليوم على مقاعد الدراسة في مادة ما لبادرك بأن هذا يقع في دائرة المحرم الذي حاربه الإسلام مستشهداً لك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (من غشنا فليس منا).
) علاوة على ذلك فإن وجود سوق مفتوح لكل من هب ودب يبيع ما شاء لمن شاء وكيف ومتى وأين شاء جعلت شخصاً واحداً من جنسية عربية وفي منطقة عرف عنها التشدد يتجرأ على الإصدار والبيع للشهادات الوهمية ولأعداد مهولة جاوزت 16000 ستة عشر ألف شهادة دكتوراه وماجستير وبكالوريوس ودبلوم من جامعات سعودية وعالمية وبأختام وتوقيعات مزورة !!!!؟؟؟؟، مع أنه جزماً نمى إلى علمه الحملة التي شنها المخلصون من أبناء الوطن على الشهادة المزورة ونبهوا على خطورتها وكشفوا أسماء أصحابها!!،، ومن تابع الخبر ورأى الصور يحزن كثيراً على ما وصلنا إليه من حال، وجزماً ستكشف لنا الأيام ما هو أشنع وأفظع.
لقد تولد عن المشهد المأساوي التخوف من قبل الغيورين على الوطن من احتمالية اختراق هؤلاء للمجتمع الأكاديمي في جامعاتنا السعودية،،وارتفعت الأصوات مطالبة بوجوب متابعة هؤلاء الحاصلين على هذه الشهادات وإقصائهم من أماكنهم التي وصلوا لها بهذا النوع من الشهادات التي بنيت على جرف هار،، كما طالب أهل الاختصاص بوجوب سن قانون صارم يردع أصحاب هذا السلوك المشين الذي لا يليق في المراحل الدنيا في التعليم فضلاً عن العليا،،وبصدق هذا أقل ما يقال في مثل هذه الحال.
وإذا كنت أنا ومثلي ننضم إلى كل الآراء المنادية بتتبع هؤلاء واستبعادهم من مناصبهم التي بنيت على باطل، ودراسة العقوبات المناسبة وإقرارها وإنزالها بشأنهم فإن ذلك لا ينفي أو يقلل من أهمية الإشارة إلى بعض الدلالات أو الملاحظات التي يجب الانتباه إليها ومنها:
- لنا أن نتصور في أوساط معينة قلت أم كثرت عطاءات مبنية على كفاءات وهمية لهؤلاء.
- لنا أن نتصور التفكير الميكافيلي الذي تمكن منهم فدفعهم إلى تأمين مؤهلاتهم بهذا الشكل فماذا عن الضمير بكل ألوانه ومستوياته، الضمير الإنساني الوطني المهني، وهل يوجد ضمير مع قناعة الغاية تبرر الوسيلة.
- لنا أن نتصور تأثير هؤلاء إن وجدوا في أوساط ثقافية/ توعوية/ إعلامية/ تدريبية/ خدمية أو حتى إنتاجية. إن أبسط ما يمكن أن يقال تفريغ العلم من مضمونه والقفز فوق أسطح المعاني مما يصيب الأسس والمبادئ التي تبنى عليها نهضتنا العلمية في مقتل.
لا ينكر أحد أم مثل هذه الأحداث المشينة تحدث في جل دول العالم وإن تفاوتت التقديرات والدرجات ولكن الاحتكام إلى الكفاءة مع أوراق الشهادات، والتمحيص المستمر في بيئات العمل، والتصنيف والتصفية للضعفاء مهنياً يجعل مثل هذه الحالات فتنزوي وتختبئ وتستحي أن تنافس، أما نحن أمام سوق عمل فاتح للشهية ومواضع ومناصب وظيفية شاغرة وباحثة عن الكوادر الوطنية، فهلا رسخنا مبادئ ومعايير الاختيار المهنية وأبدعنا آليات تقييم حقيقية، وانتصرنا للكفايات والكفاءات المهنية على حساب بعض مؤشرات اعتبارية من أجل تحمل المسئولية الوطنية في بناء نهضتنا.
ودمتم بخير وإلى لقاء والسلام،،،