في حلقتين سابقتين وممتعتين من برنامج روافد على قناة العربية، كان طارق عبد الحكيم الفنان والموسيقار السعودي الراحل، مؤلف السلام الوطني - وهو عميد متقاعد من القوات المسلحة -، يتحدث بصفاء وشفافية قلَّ أن تُوجد، ويُحلق كفراشة خفيفة عائداً بالذكريات إلى عقود مرّت، وهو يبني حجراً بعد آخر في تاريخ الموسيقى المحلية، ونقلها لفضاءات أوسع، حيث حصل على جائزة اليونسكو للموسيقى 1981، وانتخب رئيساً للمجمع العربي للموسيقى 1983، وأسس متحف الموسيقى العسكري في الرياض، ثم انتخب رئيساً للمجمع مرة أخرى 1987، وهذه جوانب أخرى لم يصل إليها إلا عبر نغمات ودندنته الأصيلة الطربية.
أو كما وصفه فنان العرب أجمعين، محمد عبده بـ «الرجل البناء الذي استطاع تشييد بناء الموسيقى السعودية»، أو كما قال - وذلك في تجمع فني راقٍ في ذكرى مرور عام على رحيل عميد الموسيقى أُقيم الأسبوع الماضي بمتحفه.
والمعروف أن الموسيقى العربية لها جذور تمتد إلى آلاف السنين التي سبقت الميلاد وكشف علم الآثار عبر الحفريات أن الموسيقى العربية ترجع بدايتها إلى ما قبل العصر المُسمى بالعصر الجاهلي، حيث ترجع إلى ما قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.
علَّمنا طارق عبد الحكيم بإنتاجه الفني أن الموسيقى تمنح الشعور بالمتعة والطرب، ولنكتشف لاحقاً أن لها فوائد صحية أيضاً نتيجة التناوب المنتظم بين الشعور بالإثارة والارتخاء، فضلاً عن تهذيب الأنفس وتقليل توحشها ورغباتها العدوانية.. كما تنشط الجسم وتزيد من كفاءة العضلات، لذا تسارع الحضارات إلى الفن والاعتراف بوجوده وقيمته، والاستفادة منه روحياً ومعنوياً للارتقاء بالنفوس والسمو بالإنسان.
«وعند سماع الإنسان لنغمات الموسيقى تحدث بعض التغيرات الكيميائية والتي يمتد تأثيرها إلى جميع الحواس، بما فيها التفكير والتنفس والعاطفة.. والسبب في ذلك أنه عندما يسمع الشخص منا الموسيقى تُحفز المخ على إفراز مادة «الإندروفين» التي تقلل من إحساس الإنسان بالألم».
قال ابن سينا:
«إن من مسكنات الأوجاع ثلاث: المشي الطويل، الغناء الطيب، الانشغال بما يُفرح الإنسان».
ومن الملفت ما توصل إليه طبيب نمساوي بأن الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية لمدة ثلاث ساعات يومياً يساعد على إنقاص وزن الشخص..!.
فيما تُؤكد نتائج البحوث الحديثة بأنّ سماع الجنين للموسيقى يُؤدي إلى تغييرات هرمونية من شأنها وقايته من الأمراض العصبية والنفسية، كما تساعد على وقايته من عيوب النطق والعجز في التعليم، واكتساب المعرفة والمهارات عندما يخرج إلى الحياة..!
والحقيقة أن جهد البناء الموسيقي للفنان الراحل طارق عبد الحكيم، استمر إلى التوثيق عبر متحفه الفني والذي يضم 3500 أغنية، ليُسجل ذاكرة موسيقى نادرة، لا تُوجد في مكان آخر في البلاد بهذا الكم والتنظيم.. إضافة إلى قطع فنية وتراثية.
هذا عطاء عذب.. وجهد فني مخلص.. وروح استثنائية محلِّقة لآخر لحظة، ودعوة للموسيقى باستمرار، وفي كل لحظة يرقص ويتمايل الجمهور في كل مرة تطربهم رائعة:
«لنا الله يا خالي من الشوق..».
واختم، يا خالي من الشوق.. عليك بالموسيقى كلما استطعت إلى ذلك سبيلاً..!