لطالما حذّرَنَا أهلنا وشيوخنا ومدرسونا من أصدقاء السوء، وما أصْدَق كلامهم، فالصاحب ساحب، وتأثير الصديق -خاصة على الأطفال والمراهقين- قوي، ويزداد قوة إذا كان أكثر من صديق يحاولون التأثير على الصبي، وقد ينجح الطفل أن يقاوم تأثيرهم السلبي لكن المراهق الذي في مرحلة التمرّد على الأهل والمجتمع ربما يكون أكثر عرضة للتأثر بحبائل أصدقاء السوء وشباكهم السامة، وهذه خطورتها في أن ما يُسمّى صديق السوء ليس شخصاً ذو مظهر معين تبدو عليه آثار الشر والخُبث بل هو دائماً شخص عادي الهيئة بريء المظهر بل ربما تبدو عليه أحياناً أَمارات البراءة! أصدقاء السوء ليسوا هم الغالبية العظمى إن شاء الله، وإذا تربّى الطفل تربية طيبة فسيستطيع صدَّ شرهم، وإذا حاول صديق السوء أن يزيِّن التدخين مثلاً للمراهق وجد وقفة حازمة، ولو حاول أن يجذبه لشيء أسوأ مثل المخدرات وجده أكثر صرامة ورفضاً، لكن ماذا يفعل الشخص إذا كان خُمس أهل مدينة كاملة من أصدقاء السوء؟ هذا ما لا يُعرَف حله، واسألوا الروس!
بمرور عام 2011م ظلّت روسيا أكثر دولة استهلاكاً للهيروين، وهو إدمانٌ ظهر على الخارطة عام 1979م عندما غزا الروس أفغانستان ولم يزدد على مر الزمن إلا نُمواً، ولما سقط الاتحاد السوفيتي عام 1991م ظلت المشكلة تتعاظم، وكيف لا؟ فجزء من الحدود الروسية الجنوبية يبلغ طوله قرابة 7000 كم، أي أطول من المسافة بين لندن ونيويورك! هذا جزء واحد فقط، وهو الجزء المشترك مع كازخستان، وقد شاهدتُ برنامجاً وثائقياً قال إن إحدى المدن الروسية -مدينة نوفوكوزنتسك- تعاني من الهيروين لدرجة أن 20% من سكانها مدمنين!
ولعل تَردّي أوضاعهم الاقتصادية جعلهم لا يكتفون بالهيروين بل أضافوا سماً جديداً اسمه «كروكوديل» لأنه أرخص من الهيروين، وتعني التمساح، والكلمة الروسية مشابهة للكلمة الإنجليزية، وكروكوديل هو اسم الشارع الذي يحفل بمدمني هذا النوع من المخدرات، واسمه العلمي «ديسومورفن»، وكما يوحي الاسم فهو مشتق من المورفين المعروف، إلا أنه أقوى من المورفين عشر مرات، ولأن تصنيعه سهل ورخيص فقد اشتعل هذا المخدر في روسيا حتى انتقل إلى دول أخرى كألمانيا، غير أن جزءًا من المواد المطلوبة لصنعه لا تتوفر كثيراً، فيستعيضون عنها ببديل رخيص وضار يجعل الخلايا تتآكل ويزيد المخدر قدرة على تدمير الجسم، ولهذا من يمر على أي من شوارع المدمنين هذه سيلاحظ المدمنين مستلقين على أرجاء الشارع المذكور وهم بين ميت أو مُحتَضر أو غائب الوعي، وجلودهم شديدة الخشونة والتآكل بسبب تأثير المخدر حتى صارت كجلود التماسيح، ومن هنا أتى اسم الشارع. وبسبب قوة المخدر إضافة لعدم نقاوته فهو يقتل بسرعة أكثر من بقية المخدرات، فيسبب التهاب أوردة الساق والغرغرينا وأمراضاً أخرى، ومن يبدأ إدمان هذا المخدر فإن الغالب ألا يعيش أكثر من 3 سنوات.
شيء مخيف، والحمد لله الذي حرّم علينا ما يضرنا مثل هذه السموم اللعينة، كفانا الله جميعاً شرها وشر أهلها من أصدقاء الخُبث والسوء.
Twitter: @i_alammar