ذكرت في الحلقة السابقة تحت نفس العنوان أعلاه أنه لا يوجد عضو ولا خلية واحدة في الجسم لا تتضرر من المشروبات الغازية. نبدأ بالأسنان، وهي تشكل اثنين وثلاثين حارسا على ما يدخل إلى الجوف من الطعام والشراب. أصبح من الثقافة العامة أن السكريات والأحماض وغاز ثاني أكسيد الكربون من الأسباب الرئيسية لتسوس الأسنان والتهابات اللثة. السكريات توفر للبكتيريا المتواجدة بشكل طبيعي في الفم والبلعوم مادة غذائية مثلى للتكاثر الانفجاري بحيث يصبح عددها وتنوعها مختلفا عن المواصفات الفسيولوجية المطلوبة لصحة الفم. الأحماض في المشروبات الغازية تكشط غشاء المينا الحامي للأسنان فيسهل تسلل البكتيريا إلى الداخل العظمي ثم إلى الجذور فتحدث الخراريج وتلتهب اللثة ويتسارع التآكل والتخلخل فتتساقط الأسنان مبكرا، أو تصبح عديمة الفائدة وبؤرا تتسرب منها الجراثيم إلى داخل الجسم. إحلال المشروبات الغازية كبدائل للألبان والماء والعصائر الطازجة يحرم الجسم من الكالسيوم وفيتامين د والمعادن والفيتامينات الأخرى فتتجاوز الأضرار صحة الأسنان إلى الهيكل العظمي والجسم بكامله.
الجهاز الهضمي يتعرض بسبب الأحماض والقلويات والسكر والغاز إلى إخلال شديد بالعصارات الهضمية الطبيعية. النتائج هي عسر الهضم والتجشؤ والحموضة والانتفاخ الغازي والارتجاع الحمضي إلى المريء، وهذا الوضع بحد ذاته يشكل أخطارا شديدة على صحة المريء تصل إلى الالتهابات والتقرحات ولاحقا الندبات والأمراض السرطانية.
بقية الأمعاء تمتلئ خلال دقائق بعد تناول عبوة غازية فردية بكميات كبيرة من السكر والغاز والمركبات الأخرى، فتفقد قدرتها على التعامل مع الغذاء وتتكاثر فيها البكتيريا وتضطرب حركتها، فتحدث التقلبات الشديدة في عملية التخلص من الفضلات والتقلصات المعوية المؤلمة. كثيرا ما يتم تشخيص هذه الحالات على أنها من حالات تهيج القولون العصبي، والحقيقة هي أنها تهيج لكامل الجهاز الهضمي، ليس بسبب الاضطراب النفسي المسبب لعصاب القولون ، وإنما بسبب الأضرار التي تسببها المشروبات الغازية.
غدة البنكرياس المسؤولة عن تنظيم السكر في الدم وهضم الدهون الغذائية تتعرص لتحد كبير عند الإسراف في تناول المشروبات الغازية، مما يعجل بحدوث مرض السكري نتيجة لكميات السكر المتناولة وارتفاع الوزن لنفس السبب. السكر الزائد في الدم الناتج عن الامتصاص السريع والمتكرر من الأمعاء تحوله الكبد إلى دهون وتخزنه في خلاياها ، وهذا سبب من أسباب تضخم وتشحم الكبد.
مادة الكافائين في المشروب الغازي، بالإضافة إلى ارتفاع الحجاب الحاجز بسبب انتفاخ الأمعاء ، تجعل القلب يتسارع في ضرباته مما يسبب الشعور بالخفقان وضيق التنفس والإجهاد. ضغط الدم أيضا يرتفع لنفس الأسباب، مما يزيد من إجهاد عضلة القلب.
إزاحة الكالسيوم والبروتينات الغذائية والمعادن والفيتامينات من الغذاء لصالح المشروبات الغازية، يؤدي إلى هشاشة العظام وترققها وضمور العضلات وارتخائها وتكاثر الدهون داخل النسيج العضلي فيبدو الإنسان منتفخ الأوداج والجسم لكن طاقته الحركية والعملية في منتهى الضعف والهزال.
موضوع الأضرار يمتد بهذه الطريقة إلى فقر الدم الغذائي واضطراب الهرمونات ونقص الحديد وتساقط الشعر وانتشار البثور الجلدية. ليس من المحتمل أن يحتفظ الشاب أو الشابة بكثافة الشعر وصحة الجلد عند الإسراف في تناول المشروبات الغازية وإهمال الألبان والفواكه والعصائر الطازجة.
أظن هذا يكفي لإيصال الرسالة عن تنوع الأضرار المترتبة على الإسراف في تناول المشروبات الصناعية، والغازية منها بالذات على حساب المشروبات الطبيعية.
يجب علينا أن نتذكر أن الله أوجد لنا المياه والألبان وعصائر الفواكه كمواد طبيعية وأساسية للشرب، أما المشروبات الصناعية فهي مجرد اجتهادات تجارية لا تستطيع تعويض ما أوجده الله جاهزا في الطبيعة. من هذا المنطلق وأقترح أحد أمرين إما أن يقنن استهلاك المشروبات الغازية (وهذا صعب) أو أن يطرح منعها من التسويق للنقاش.