لقد سبق لي من خلال هذا المنبر قبل عدة شهور المطالبة بإنشاء جمعية الأمن والسلامة السعودية بحيث تكون جمعية تطوعية غير ربحية تعمل على الارتقاء بمستوى ثقافة السلامة المدنية والصناعية، ورفع وعي القطاع الخاص والعام وجميع أفراد المجتمع بأهمية الالتزام بمعايير السلامة الشاملة في البيت وفي الطريق والمكتب والمصنع وفي جميع منشآت المجتمع المدني، وذلك للحدِّ من المعدلات المرتفعة للحوادث والخسائر الناجمة عنها سواءً البشرية منها أو المادية التي مع الأسف الشديد ما زلنا نسمع عنها كل يوم وكل ساعة، بل وكل دقيقة.
أطفال يموتون في الجبيل، وأطفال يموتون في رأس تنورة، ومعلمات يمتن في طريقهن من وإلى مدارسهن، وشباب يموتون في كل لحظة من خلال إهمال مبدأ السلامة والإرهاب الذي نعيشه كل يوم في بلادنا، ليس من قبل الإرهابيين المجرمين بل من قبل إرهابيي الطرق الذين يقتلون الصغير والكبير والرجال والنساء بسبب عدم معرفتهم بمبادئ السلامة ومن خلال تهورهم وسرعتهم الجنونية التي لا ينفع معها ساهر ولا حتى ماهر.
إن المراقب لما يسببه قصور التزام أفراد المجتمع السعودي بتطبيق إجراءات السلامة أثناء ممارساتهم لأنشطة حياتهم اليومية، بإمكانه الوقوف على مجموعة من المؤشرات الارتكازية التي تؤكد على أهمية إيجاد كيان (جمعية) ذات رؤية مستقبلية، وأهداف مرحلية وأخرى إستراتيجية، وآلية عمل فاعلة في مجال السلامة بمفهومها الشامل، للارتقاء بمستوى تصرفات أفراد المجتمع وفق تعليمات الإجراءات التنفيذية لضمان السلامة الشخصية للفرد والسلامة العامة للمجتمع.
فالحوادث المرورية وما تسببه من خسائر مادية، إضافة إلى فقدان المجتمع للعديد من أفراده المنتجين، المشاركين في عملية التنمية والبناء في المجتمع السعودي، وتحويل البعض منهم ليصبحوا عالة على المجتمع وعلى ذويهم وعلى الحكومة بل وعلى أنفسهم، وأخطار الكوارث البيئية، سواءً منها ما ينشأ نتيجة أخطاء بشرية كما حدث في الرياض قبل عدة شهور وجدة قبل عدة سنوات، أو نتيجة لظروف خارجة عن تأثير البشر كما حدث قريبًا في تبوك، كلها مؤشرات ارتكازية تتطلب من المهتمين بسلامة المجتمع والتفكير في الحدِّ من تلك الحوادث والأخطار وتأثيراتها السلبية المادية والمعنوية، والعمل بجدية لتحقيق ذلك الهدف من دون أي تأخير لأننا نفقد أغلى ما نملك (الإنسان) في كل لحظة.
إن الجوانب البشرية متمثلة في وفاة الأفراد أو إعاقتهم، والجوانب المادية متمثلة في دمار الممتلكات وخرابها، حيث بلغت حالات إصابات العمل، والحوادث على الطرقات في المملكة أرقاماً مفزعة، وكذلك الأمر بالنسبة للخسائر البشرية والمادية والتعويضات المالية التي تتحملها المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بسبب تلك الحوادث؛ والأموال الطائلة التي تقدر بمليارات الريالات التي تصرفها الحكومة على علاج المصابين، حيث يرجع السبب في وقوع هذه الحوادث إلى تدني مستوى التزام الأشخاص والهيئات والمصانع والشركات بمعايير السلامة الشاملة.
إن السلامة بمفهومها الشامل هدف رئيس للمجتمعات الإنسانية باعتبارها الوسيلة الفاعلة لتمكين المجتمع من المحافظة على كافة مكوناته المادية والبشرية، والارتقاء بمستوى أداء مقوماته الاقتصادية، وضمان توافر الطمأنينة الاجتماعية لأفراده وكل من يعيش على ترابه.
فعل سنرى تطبيق هذه الفكرة وإنشاء هذه الجمعية لتكون مماثلة بالحجم والأهمية للجمعيات المهنية الأخرى مثل جمعية المهندسين السعوديين لكي تعمل على تأصيل التصرفات القويمة لأفراد ومؤسسات المجتمع السعودي بالنسبة لإجراءات السلامة الشاملة بما يُسهم في الارتقاء بمستوى التزام أفراد ومؤسسات المجتمع بمتطلبات السلامة الشاملة بصورة كلية لضمان تحقيق انعكاساتها الإيجابية على الفرد والمجتمع؟؟ نأمل ذلك عاجلاً غير آجل.
www.saudienergy.netTwitter: @neaimsa