|
الجزيرة - وهيب الوهيبي:
خصص الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى موضوع حلقة اليوم الجمعة من برنامج (من هدي الشريعة) على شاشة القناة الأولى لمناقشة موضوع (الإصلاح بمفهومه الشرعي مع إطلالة واسعة على القراءات الدستورية والقانونية والمجتمعية في هذا الموضوع من وجهة النظر الإسلامية).
وقال فضيلته: إن شريعة الإسلام حفلت بالإصلاح كقيمة مجتمعية وسياسية واقتصادية وإدارية وتنظيمية ويدخل في القيم المجتمعية الجوانب الأخلاقية والسلوكية.
وفي سياق حديث فضيلته في البرنامج مضافاً إلى حلقات نقاش ذات صلة تحدث من خلالها فضيلته عن ذات الموضوع في نقاشات وحوارات سابقة فرق د. العيسى بين الإصلاح والتحديث والتطوير في منظومة المؤسسة المدنية، كما أوضح أن القواعد العامة في مفاهيم العدالة والإصلاح تمثل مشتركات يتفق عليها الجميع غير أن تباين الاتجاهات تنحصر في التفاصيل وهي سنة الله في خلقه فما نراه إصلاحاً قد لا يراه غيرنا كذلك وكذا العكس ولاسيما في قضايا السياسة والاجتماع والسلوك.
واستعرض فضيلته مقاصد الإصلاح الشرعية, وأثرها في مكافحة الفساد والفاسدين, مبرزاً مكاسب العمل الجاد والفاعل في اتجاه تحقيق مطلب الإصلاح وعائده على الأفراد والمؤسسات وتحقيقه للأمن السياسي والأمن الاجتماعي، مشيراً إلى عواقب التساهل مع الفساد والمفسدين على هذين الأمنين.
مؤكدا في هذا السياق على أن دعوة المرسلين عليهم الصلاة والسلام تنصب على الإصلاح الشامل وفي طليعته إصلاح العقائد والسلوك، مستشهدا بقوله تعالى عن شعيب عليه السلام (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت).
وحول مدى إمكانية تعميم المعايير التي تضعها المؤسسات الدولية المعنية بالشفافية والنزاهة والإصلاح ومحاربة الفساد على كل الدول والمجتمعات قال فضيلته: إن مطلب الإصلاح ومحاربة الفساد يمثل هدفاً مشتركاً بين عموم المجتمعات الإنسانية, لكن التطبيقات والممارسات والمطالب التفصيلية تختلف باختلاف الثقافات والأديان ومنظومة القيم في سياق الإرث الأخلاقي والتاريخي والمفهوم الحضاري لكل مجتمع وليس من الموضوعية انتحال ممارسات بلد أو ثقافة معينة في سياق ما قد يكون ناتجاً عن الهزيمة النفسية وحمى التبعية لتكون معياراً في منهج الإصلاح وسيلة وأسلوباً أو غايته هدفاً ومقصداً.
وأشار فضيلته إلى أن الإصلاح بمفهومه الشامل يتم في المجتمع بتكاتف جهود مؤسسات الدولة العامة والخاصة فضلاً عن الأفراد, في سبيل الاستجابة لتطلع الجميع نحو بناء مجتمع صالح وبيئة خالية من أوضار الفساد والمفسدين.
وأكد الشيخ محمد العيسى على أن مراجعة الدساتير والقوانين متى كان لمواكبة الاحتياجات والمستجدات ودورة الزمن وتحولاته فهو تحديث وتطوير ولا يسمى إصلاحاً، ولا يتم الإصلاح لها إلا في حال وجود فوات دستوري أو قانوني ذي وصف معيب، أو ما يسمى في القانون الدستوري بالانحراف التشريعي أو ثغرات في الصياغة أو غياب الرقابة القضائية أو قصورها على ما يسمى في القانون الإداري الانحراف بالسلطة أو استغلال النفوذ الوظيفي أو التعسف في استعمال الحق.
وفي الانحراف التشريعي يأتي التعبير عنه بلسان الإعلام والسياسة اليوم بتفصيل القوانين لغايات مؤسسية ضيقة أو أشخاص معينين (هذا في إطار العيوب الدستورية) أو توظيف النص القانوني من خلال النفوذ الوظيفي وكذا في إطار امتياز جهة الإدارة خاصة في سلطتها التقديرية لتحقيق أهداف خاصة، فضلاً عن التأويل الفاسد للنص لتحقيق غاية فاسدة.
وامتدح الشيخ العيسى دور الإعلام الجديد في تسريع عملية الإصلاح في الحراك العصري المذهل وبخاصة سرعة تداول المعلومة.. وهو ما ساعد بكل شفافية على إماطة اللثام على الفساد والمفسدين وقوى جهود المصلحين وساندها.. مطالباً فضيلته المتلقين بالحذر من الشائعات أو المبالغات أو الافتراءات التي قد تحملها بعض هذه الوسائل وأن يكونوا على يقظة تامة مما يطرح وألا يتلقوه بالقبول حتى التحقق والتبين، مشيراً إلى أن هناك نسبة لا بأس بها من الطرح الإعلامي خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الجديد تحمل في طياتها أغراضاً وأهدافاً خاصة فهناك العمل المغرض وهناك طلبة الأضواء والشهرة وجلب الاتباع والجماهيرية من خلال الإثارة والتشويش والتسرع في نقل المعلومة أو نسجها كذباً من الأصل فضلاً عن الجهلة ومحدودي الوعي والفكر ممن يتلقفون أمثال هذه الأساليب الماكرة ويسهل تمريرها عليهم وخداعهم بها ومن ثم تمريرها على الآخرين، والنفس إمارة بالسوء وما أحب للنفس من أن يقال عنها إنها إصلاحية وتحارب الشر والفساد وأن تعطي صورة ذهنية عنها للمتلقي العام بأنها ذات رمزية شرعية أو وطنية في هذا المعنى الجميل، نقول هذا للاحتياط والتوقي مع أننا بحمد الله نحسن الظن بالعموم. ورأى الشيخ محمد أن مسؤولية الإصلاح بمعناه الشامل تقع على عاتق جميع مكونات المجتمع أفراداً ومؤسساتٍ عامة وخاصة وكل الفعاليات العلمية والثقافية.
ولا يسوغ لأحد من الناحية الشرعية ولا الموضوعية منطقاً وعقلاً أن يعتقد أنه الحقيقة المطلقة وأن مشروعه الإصلاحي هو المشروع الذي يجب الأخذ به، فلك رأي ولغيرك رأي آخر، وقد يتبعك على مشروعك عشرة أو حتى ألف شخص أو أكثر، لكن بقية الملايين هل توافقك على مشروعك؟، ثم إنه قد يكون لدى غيرك أطروحة إصلاحية أخرى فهل توافق عليها، ولا يحسم الجدل في هذا إلا التجرد والإخلاص والنظرة المتعقلة والمتأنية من خلال الطرح والنقاش الموضوعي الهادف ولا سميا الطرح المؤسسي المشمول بالتآلف وتبادل الثقة وحسن الظن.
ولا بد في هذا من الإفادة من دور المؤسسات الوطنية في الحوار والسجال المثمر مثل الحوار الوطني ومجلس الشورى فضلاً عن التوظيف الأمثل للإعلام سواء كان ما يسمى الإعلام التقليدي أو الجديد.
مؤكداً فضيلته بأنه على ما في الإعلام الجديد تحديداً من أطروحات نافعة إلا أننا نرى توظيفاً سلبياً لكثير منها لأهداف وغايات يظهر من لحن قولها وسياقاتها أنها لا تنشد الإصلاح بقدر ما تتطلب الإثارة والتشويش ولذلك عندما تكون على محك النقاش بمشاركات متمكنة تسقط أقنعتها وتتضح تناقضاتها، وفي خصوص الأسماء الرمزية في الإعلام الجديد ومنتديات النت قال الشيخ لم يصدق كثيرا من الناس وقد أشهروا أسماءهم حتى يصدقوا وهم خلف أسوار التستر والتخفي، مع تثمين دور ومصداقية الأكثر بحمد الله.
وفي تحديد مسؤولية الإصلاح ومحاربة الفساد في عموم الفعاليات الوطنية قال الشيخ محمد العيسى: إن المسؤولية تقع على كاهل كل مسؤول بحسبه وفي هذا وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدة عامة يقول فيها: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وفي الأثر: «كلكم على ثغر من ثغور الإسلام فليحذر أحدكم أن يؤتى الإسلام من ثغره».
وانتقد فضيلته في هذا الإطار الممارسات غير النظامية لبعض حاملي راية الإصلاح.. والذين يقدمون أطروحات قد يكون لبعض منها حظ من التأمل والدراسة لكنهم ينتهجون أساليب مخالفة للنظام العام، ولثقافة وخصوصية مجتمعنا القائم على أدب الإسلام وهديه الرشيد في الإيضاح والنصح والبيان، ويتجاهل بعضهم ويغفل آخرون في الوقت ذاته عن إصلاحات تذكر فتشكر لمؤسسات الدولة خاصة العمل النشط والدؤوب لجملة من الأجهزة التنفيذية، مع عدم إنكار بعض القصور الذي يجب أن يسدد ويكمل كما هي سنة الله في الحياة فهي في تطور وعمل دائم وتسديد وتكميل مستمر وإلا لتوقف العمل واكتملت منظومة الأداء، فضلاً عن أننا على قناعة بأن الكمال المطلق لله وحده لكن الأهم هو عدم ترك الفراغ أو النقص أو أي مظهر من مظاهر الخلل والفساد، ومتى تقاعس المسؤول التنفيذي عن حسم مادة الفساد فهو بلا شك في عداد المشاركين فيه.
كما أنحى فضيلته باللائمة على بعض حملة بعض ما يسمى المشروعات الإصلاحية حيث يصور طرحهم أنهم يمثلون الحقيقة المطلقة في سياق يلغي الآخر ويسفه أطروحته ورأيه تماما ًبل ويصمه بالتهم الجزاف.
ويجب أن يسود الجميع جو من الانفتاح والتفاهم والثقة والأدب والسمت الإسلامي الرفيع وأن يسلكوا الجانب المؤسسي لا الفوضوي في الطرح، فالدولة أقامت مؤسسة حضارية للحوار الوطني تسعد بأي رأي أو حوار في إطاره الموضوعي فضلاً عن الدور الشورى والرقابي لمجلس الشورى.
وقال فضيلته ما لا نصل إليه بالأسلوب والطرح الأمثل ـ محل القناعة الشرعية والمجتمعية يصعب أن نصل إليه بغيره - وللجميع تجارب عبر امتداد الزمان والمكان لا تخفى.
وتابع قائلاً: إن المجتمع المحافظ ذا الخصوصية الدينية هو مجتمع متعقل لا يقبل بالتشويش والإثارة ولا بمنهجية وأساليب الثقافات الأخرى، ولا يقبل بجلب أطروحاتها التي تتقاطع معه، ولكل مجتمع خصوصيته وقناعته، فلا يقبل إلا بالأسلوب الأمثل والحكيم من وجهة نظره، ويرفض الإخلال بالنظام العام وفق توصيفه وثقافته لمفهوم الإخلال بالنظام العام (ومن غير الإنصاف أن تحمله على مفاهيم أخرى في هذا التوصيف)؛ وأي إخلال في هذا يمثل في تقديره خطاً أحمر يطال أمنه وهو المتضرر الأول والأخير من أي إساءة في هذا الصدد لأنها بأسلوبها فضلاً عن مضمونها تمس قناعته وخياره الذي يترجم ثقافته الدينية والمجتمعية التي تأسس عليها، ووجدان المجتمع الناطق هو المعبر في هذا وهو بلا شك ينطلق من منهجه الشرعي والعقد الاجتماعي الوثيق بسمته الرفيع وعلاقته الصلبة بين الراعي والرعية.
وقال إننا في مهامنا الوظيفية نجلس ونستمع ونناقش ونحاور بشكل شبه يومي ونستفيد من العديد من النقاشات والمقترحات التي أفادتنا في أعمالنا، وما سواها من الرؤى نوضح لأصحابها - وهم أهل خير ونصح وصدق - بأنها تدخل في قائمة الجدول الزمني للتحديث والتطوير وبعضها الآخر نبين مفضوليته بأفضلية غيره والغالبية العظمى تثمن وتقدير وتقتنع بنقاشنا معهم، بل إننا في حواراتنا الدولية ناقشنا العديد من القضايا وحصل هناك نفع عظيم لكن بأسلوب الحوار المقنع وانتهاج أساليبه الفاعلة والمنطقية وفق المفهوم المغاير للآخر، والحكمة تُختزل في كلمة وهي: «وضع الأمور في مواضعها».
وأوضح الشيخ محمد العيسى انه باعتباره (مسؤولاً عدلياً) يتعامل بعناية شديدة مع كل المقترحات والملاحظات والمطالب التي تصل إليه من بعض المهتمين بالشأن العدلي، وأنها تنال حظها من الدراسة والتحليل, ويتم التواصل مع أصحابها وإشعارهم بما اتخذ حيالها, وان بعضها كان سببا في تعديل واقع غير إيجابي أو تطوير عمل قائم، مؤكداً أن العنصر الفاعل والمؤثر في تطوير المنظومة الوطنية هو المواطن.
ورأى فضيلة الشيخ أن أسباب تدني نجاحات مسيرة الإصلاح وتطبيقاته فيما يسمى بدول العالم الثالث - وفيها عامة الدول العربية والإسلامية - يعود إلى الاحتفاء بكثرة سن القوانين وقلة الاحتفاء في المقابل بفاعليتها ولاسيما التساهل في ثغرة الامتيازات أو الاستثناءات أمام قواعدها العامة والمجردة وهو ما يشل حركة الإصلاح ويساعد على تهيئة الأجواء لبيئة الفساد.
وأشاد الشيخ محمد العيسى بالدور الكبير والأثر الواضح الذي تحقق على ارض الواقع في محاصرة الفساد الذي والحمد لله لم يشكل عندنا ظاهرة بل يجري في سياق معتاد السنة الكونية في وجود الخير والشر والحق والباطل، وكان هذا تحديداً بعد تأسيس هيئة مكافحة الفساد مبنيا فضيلته أن الهيئة ساندت المؤسسات الحكومية في الوقوف على بعض ممارسات الفساد والقضاء عليها، وأنها اضطلعت بواجبها الوطني على أكمل وجه، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن ثمة منجزات إصلاحية يجب التنويه بها وتثمين أدائها وتقدير فعالية دورها.
موضحاً فضيلته أن المملكة تأخذ بمفهوم الرقابة الدستورية الامتناعية كما قرر ذلك النظام الأساسي للحكم وأن الرقابة الامتناعية قسيمة الرقابة الإلغائية، مشيراً إلى أن الأولى تقوم بها عموم المحاكم، والثانية تقتصر على المحاكم الدستورية أو المحاكم العليا وهي محاكم النقض في بعض الدول التي تقوم أحياناً باختصاصات المحاكم الدستورية. حظيت الحلقة بمشاركة هاتفية قيمة من الأستاذ فهد العجلان نائب رئيس تحرير جريدة الجزيرة تحدث فيها عن دور الصحافة المقروءة في تعزيز جهود الإصلاح.
الجدير بالذكر أن برنامج من (هدي الشريعة) قد انطلق منذ شهرين، ويعرض أسبوعياً في الواحدة والنصف من ظهر كل جمعة يعده ويقدمه الزميل الإعلامي ممدوح الحوشان.