يعرف الصحفيون والإعلاميون وكثير من المثقفين المهتمين بالشأن الصحافي، أن الصحافة المطبوعة منذ بداياتها بأوروبا في القرن الرابع عشر الميلادي، وخلال سياقها التاريخي، ومراحل تطورها (المكتوبة ثم المطبوعة ثم الإلكترونية)،
قد اكتسبت العديد من المفاهيم والألقاب والأوصاف، التي تعكس طبيعة عملها كـ(مهنة المتاعب)، أو عظمة مكانتها كـ(بلاط صاحبة الجلالة)، أو تحدد دورها ومدى تأثيرها الحضاري كـ(سلطة رابعة) إلى جانب السلطات الثلاثة المعتبرة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، ولهذا نلحظ أن قناة (العربية) أطلقت على برنامجها المختص بما يطرح بالصحافتين العربية والعالمية اسم (السلطة الرابعة).
ولعلي هنا أتوقف عند هذا المفهوم أو الوصف (السلطة الرابعة)، الذي ارتبط بالصحافة - الورقية والإلكترونية - في واقعنا المعاصر ارتباطاً مباشراً ووثيقاً بالنظم الديمقراطية ومجتمعات العالم المتقدم، كونها سلطة فاعلة تملك تحريك الرأي العام وتغيير الواقع والمشاركة القوية بالعملية السياسية، لكنها تختلف في تأثيرها بالنسبة للمجتمعات النامية والنظم غير الديمقراطية، حيث يتمحور دورها في جانب الشراكة التنموية بشكل كبير، مع التحكم الرسمي بنقل المعلومات وتحرير الأخبار، غير أن هذه المعادلة الإعلامية المرتبطة بالواقع الحياتي تغيرت قواعدها بعد دخول الإعلام الجديد (أو البديل) في واقع المجتمعات المعاصرة، الذي يتمثل بالممارسة التعبيرية وفق أعراف الصحافة والإعلام من خلال المدونات الإلكترونية، وصفحات (الفيس بوك)، وحسابات (تويتر)، ومقاطع اليوتيوب، حيث نجحت جماهير المجتمعات الديمقراطية في تعزيز السلطة الرابعة بأدوات هذا الإعلام فصارت سلطة مضاعفة ووسيلة راشدة في تقويم وتصحيح أداء التنمية في مجتمعاتها، بينما يبدو الوضع مختلفاً بالنسبة للمجتمعات غير الديمقراطية، حيث أصبح الإعلام البديل أو الجديد هو (السلطة الرابعة) لدرجة مزاحمته لوسائل الإعلام التقليدي في ميادين الفاعلية الاجتماعية، والتأثير الإيجابي على القرارات الرسمية، والاستقلال الفكري في تناول قضايا المجتمع، والمواجهة الحوارية بين النخبة والقاعدة الشعبية، والمكاشفة في مناقشة الشؤون الاقتصادية، وملاحقة الفساد وإخفاقات التنمية في النهضة الوطنية.. وغير ذلك، خاصة ً مع تراجع سطوة الإعلان على الإعلام بشكل واضح وسقوطه من المعادلة في الإعلام الجديد (البديل)، وبالتالي تكون الأسئلة حاضرة: هل أصبح الإعلام الجديد أو البديل سلطة من لا سلطة له؟ وهل أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي وزارة إعلام بلا وزير؟ وهل غدت الصحافة الورقية مجرد قاعدة ورقية للنسخة الإلكترونية من أجل توثيق مناسبات وأرشيف صور؟. أم أن هذا الإعلام الجديد ليس بديلاً عن الإعلام التقليدي إنما مكمل له ورافد لأنشطته؟، فالإذاعة لم تأخذ مكان الصحافة، والتلفزيون لم يأخذ مكان الإذاعة.. وهكذا مع سلسلة الأدوات الإعلامية، التي تتابعت على درب التطور والابتكار فعززت جانب الخيارات للمتعاطين معها ولكن لم تلغ بعضها.
moh.alkanaan555@gmail.comتويتر @moh_alkanaan