أطفال في عمر الزهور، يجهلون الواقع البائس الذي يعيشونه، والمصير المظلم الذي ينتظرهم، نشعر من خلال نظراتهم بالاضطراب النفسي، والانكسار في المعنويات. هم الآن في طور التكوين، والتأهيل، والتدريب على طرق ممارسة الجريمة إلا من عصم ربي ورحم.
التسول وجمع الأموال بصفة غير مشروعة تبدأ بها هذه الفئة المنكوبة، تستخدمهم -من حيث لا يعلمون- عصابات الاتجار بالبشر، مخترقين بهذا المنهج والأسلوب الإجرامي القوانين والأعراف والمثل الدولية.
مناظر تلك الصبية، بنين وبنات أحياناً، وهم يأخذون أماكنهم قبيل شروق الشمس أمام الإشارات الضوئية للمرور، وفي مفترقات الطرق الرئيسة، مناظر مؤسفة أشد الأسف، ومؤلمة أشد الإيلام، وبخاصة إذا كانت هذه الظواهر في بلد كالمملكة العربية السعودية، مضرب الأمن في الأمن والأمان والاطمئنان، ورفاهية العيش، والحياة الكريمة التي يتمتع بها كل منتسب لهذه البلاد، أو مقيماً على أراضيها زائراً، أو باحثاً عن عمل بصفة نظامية مشروعة.
جريمة ما بعدها جريمة في حق الإنسانية في حق الطفولة البريئة، وهم يرون لداتهم، ومن هم في أعمارهم ينطلقون في الصباح الباكر إلى مدارسهم بآمال عريضة، وطموحات غير متناهية، بينما هم، ولسوء الحظ، ومقتضى القدر تتقاذفهم النظرات في تلك المواقع، وربما عانوا من الازدراء، أو الابتزاز، أو أي لون من ألوان الإيذاء النفسي والجسدي.
هذه الفئات تتمركز بسرعة خاطفة في الشوارع، وتنصرف كذلك فجأة في بعض الأحيان، يتوجسون خيفة من كل رقيب، أو حسيب. لا تعرف بالفعل أين يتجهون، وكيف يقضون أوقاتهم أثناء اليوم الدراسي؟ كيف تسربوا من التعليم، وهم في هذا السن (دون العاشرة)، ولماذا تسربوا إن كانوا منتسبين له. أسئلة عديد تحتاج إلى إجابات مستفيضة متعمقة.
ملف التسول، ملف شائك، ضائع المسؤولية، لا ندري، ما الجانب الذي يتحمله الأمن، أو الهيئات والجمعيات الحقوقية؟ أو وزارة الشؤون الاجتماعية الذي تدّعي مكافحة الظاهرة المتفاقمة. عند الكوارث، أو المصائب، أو الجرائم نتقاذف المسؤولية، لكن عند التشكيل الوظيفي، والإعداد للميزانيات المالية، وتدوين المهام والاختصاصات، وإعداد التقارير للجهات المسؤولة نسارع في تبني هذا الملف، وشرف حمله.
لا نزعم بأي حال من الأحوال وجود أصحاب الحاجات، ونلتمس لهم العذر فيما يلجئون إليه من وسائل وأساليب، لكن أن تستغل الطفولة عصابات إجرامية محترفة، في وضح النهار، وتحت جنح الظلام، ونحن سادرون، أو غافلين فهذا ما لا يطاق، أو يتغاضى فيه عن قصور أداء الجهات المسؤولة، أو المختصة بمحاربة مثل هذه الظواهر الاجتماعية ذات الأثر الخطير على لحمة المجتمع واقتصاده، وأمنه.
ممارسات شوهت الوطن الشامخ، وستلحق، أو لحقت به من جرائها أضرار اجتماعية، وأخلاقية، وسلوكية، وأمنية، فالسرقات، والسطو المسلح، وفساد الأخلاق، وترويج المخدرات، وتسويق الخمور مهن وضيعة تمارس تحت ستار التسول أحياناً، فضلا عن كون استساغة التسول مدعاة للبطالة في المجتمع، والمعاداة بين البشر، وزعزعة كيان الأسر المستقرة.
غرس قيم التعاون والتكاتف، والتعاون والتلاحم بين البشر، وعدم قتل الإحسان في النفوس مطلب أساس، انقياداً للأمر الإلهي {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}، وقول المصطفى عليه السلام (من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة..... والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه). وإلى جانب ذلك حث الإسلام أفراد المجتمع عن الترفع عن المسألة وذلها، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم)، وفي هذه البلاد خصصت الحكومة رواتب للعجزة والمسنين، وذوي الاحتياجات الخاصة، درأ للحاجة، المفضية إلى سلوك مشين.
هذه اللفتات السامية، والقيم العظيمة التي أصّلها الدين الإسلامي في النفوس لا تتعارض، أو تتقاطع مع أخذنا بقوة وبقسوة على أيدي تلك العصابات المنظمة، المستغلة للبشر وحاجاتهم، والتي لا تتورع بأي حال من الأحوال عن استخدام تشويه البشر، أطفالاً، ونساء، وشيوخاً، لاستدرار العطف، والشفقة، والرحمة من ذوي القلوب الرحيمة، والنفوس الكريمة.
dr_alawees@hotmail.com