يوم أصدرت المحكمة الإدارية في مصر قرارها بتأجيل انتخابات مجلس الشعب بعد الحكم على عدم مطابقة قانون الانتخابات مع نصوص الدستور الجديد، لعدم تنفيذه ما طلبته المحكمة الدستورية من إجراء تعديلات على بعض النصوص، قرار المحكمة الإدارية هذه اعتُبر فرصة جيدة لمؤسسة الرئاسة والأحزاب والتيارات السياسية لمراجعة مواقفها والبدء في إعادة التفاهم بين الذين يديرون الحكم والمؤيدين لهم وبين المعارضين والمناوئين من الأحزاب الذين يكونون جبهة الانقاذ التي جاء الحكم انقاذاً لإعلانها مقاطعة الانتخابات.
فالقرار الذي سيتبعه حتماً تأجيل الانتخابات يعطي الجبهة وحتى الذين يديرون الحكم لتهدئة الوضع ودراسة الموقف دون فرض رأي أو حتى المطالبة بشروط تعجيزية.
وهكذا، كانت الأجواء في مصر تبشر بخير حتى صباح يوم السبت الذي كان مقرراً أن تعقد المحكمة الجزائية الخاصة بمحاكمة المتهمين بما يسمونه في مصر بمجزرة استاد بورسعيد، والتي راح ضحيتها 72 مشجعاً معظمهم من مشجعي النادي الأهلي القاهري، وكان متوقعاً أن القاضي الذي يرأس المحاكمة سيؤجل التأكيد السابق كون رد مفتي جمهورية مصر العربية قد تأخر برأيه الشرعي حول حكم الإعدام الموقع على 21 متهماً، لأن المفتي المنتخب الجديد لم يتح له الوقت لدراسة الموضوع، ولكن المفاجئ أن رد المفتي قد وصل إلى المحكمة في اليوم نفسه والذي جاء مؤيداً لحكم القاضي الذي أكد حكمه السابق في جلسة المحاكمة، والذي ما أن نطق بالحكم حتى اشتعلت الأوضاع في كل من بورسعيد والقاهرة. فالمتظاهرون في بورسعيد احتجوا على الحكم واعتبروه قاسياً كونه المرة الأولى التي يحكم فيها بإعدام واحد وعشرين شخصاً مرة واحدة، إضافة إلى أحكام أخرى تفاوتت بين 15 عاماً وعامين وطالت عدداً من قيادات الشرطة بينهم مدير أمن شرطة بورسعيد. أما في القاهرة فتظاهر ألترس النادي الأهلي محتجين على ضعف الحكم على المسؤولين الأمنيين، لتشتعل الميادين والشوارع في كلا المدينتين ويسقط قتيلان في القاهرة ويقوم المحتجون المتظاهرون في القاهرة بإحراق مقر اتحاد كرة القدم المصري ونادي ضباط الشرطة في منطقة الجزيرة وسط القاهرة، ويُعد هذا أخطر انتهاك أمني للممتلكات العامة والخاصة. أما في بورسعيد فقد اضطرت الأجهزة الأمنية والشرطة الانسحاب من الشوارع والميادين وترك المهمة للقوات المسلحة، حيث تولى الجيش المصري الثاني المهمة وقام بتأمين محافظة ومديرية أمن بورسعيد والمناطق الحساسة في المحافظة.
الصادم للمصريين ولكل من يحب مصر ويتمنى له الاستقرار والهدوء أن ضحايا هذه الاحتجاجات تفوق الضحايا الذين يحتجون على إصابتهم، فقد سقط من الضحايا سواء في بورسعيد أو في القاهرة أكثر من عدد الذين سقطوا في مجزرة استاد بورسعيد، كما أن الاحتجاجات تأتي على أحكام قضائية لم تأخذ الصفة القطعية، لأن هذه الأحكام تنتظر الاستئناف والنقض وغيرهما من الإجراءات القضائية، كما أن حكم القضاء المصري -ورغم كل الملابسات- لا يزال يحظى بالحيدة والبعد عن التسييس، بدليل أن كلا الطرفين لم يكن راضياً من الحكم. ولهذا فإنَّ ما تشهده مصر هو تدمير وتخريب للبلاد وتعويق بأيدي أبنائها لتجاوز إحدى أصعب المراحل التي تمر بها.
jaser@al-jazirah.com.sa