ليس من المعقول ولا المقبول أن تكون جزءا من طاقم حكومي رسمي مكلف أو معين، تخضع لأنظمة ولوائح التقويم والمحاسبة، ثم تكتشف أنك بلا حماية ضد ما تتعرض له من إهانات وقذف وتحرشات.
ترى أين يحصل مثل هذا الموقف، هل في دول تحكمها الفوضى والانفلات الأمني؟
الجواب لا، لأن هذا ما يحصل بشكل متكرر ومرئي ومسموع عندنا، ونحن نعيش في دولة تتعاون فيها السلطات الثلاث تحت المظلة الشرعية.
التشريع واضح والخطوط الحمراء في الحقوق والواجبات واضحة، والقدرة على التدخل الرسمي متوفرة وبشكل قد يزيد أحيانا عن الحاجة.
منذ عشرات السنين والمجتمع السعودي يعاني من تدخل مكشوف واستعداء تحريضي تقوم به فئات قليلة العدد شديدة الاهتياج ضد فئات المجتمع التي لا تنسجم معها في مفاهيم التعايش ومقاييس الصالح والطالح وتعريف ما هو مفيد أو ضار للبلاد وأهلها.
البدايات كانت أيام الغزو العراقي للكويت وانتشار الأشرطة الصحوية كأسراب الجراد.
آنذاك تركزت الاتهامات على الحكومات بالخيانة والعمالة، وعلى الطلائع الثقافية والإدارية بالعلمانية والزندقة، وعلى العشرات من نساء المجتمع المحترمات بالانحلال الأخلاقي والديني، لأنهن في حينه حاولن جس النبض عن ملاءمة الظروف لقيادة السيارة تحسبا لما قد يحدث من انتشار الحرب ومآسيها في الداخل فتصبح الحاجة ماسة لمساهمة كل مكونات المجتمع في الدفاع وتأمين الخدمات.
مرت العاصفة الأمنية تلك، لكن الدولة لم تتحرك نحو إعادة النظر في الجهات الحقيقية التي تهدد النسيج الاجتماعي وتعبث بالأمن الداخلي.
النتيجة كانت لاحقا الاغتيالات والتفجيرات الإرهابية والمسلسل الطويل من مطاردات الإرهاب في أصقاع الأرض.
الآن أصبحت للعقلية التحريضية والإقصائية أموالها الطائلة وقنواتها الفضائية وشخصياتها الاعتبارية، وتمتلك منابر واسعة الانتشار.
لا يمر يوم إلا ويتعرض فيه المواطن السعودي على عدة منابر فضائية وأرضية لشحن عاطفي ضد محاولات الدولة لتصحيح الأوضاع الحقوقية للمرأة والتعامل مع البطالة وإفرازاتها المهلكة، ومع الفشل الذريع للمناهج الدراسية.
وصلت الأمور إلى حدود التحريض على كبار المسؤولين المنفذين لخطوط الدولة واستراتيجياتها، وإلى التجريح الأخلاقي والنهش في أعراض عضوات مجلس الشورى المعنيات بمرسوم ملكي، وإلى المعايرات والمزايدات بالأنساب والمناطق والمذاهب.
ترى إلى أين نحن ذاهبون في هذا الطريق الذي يقودنا إليه هؤلاء ومتى يتم النظر في هذه المشكلة بالحزم الذي تستحقه.