لم يعقدني أحد مثل الفيلسوف (جان جاك روسو)، الذي لم أسمع به في حياتي إلا عندما دخلت الجامعة (طالباً في قسم الإعلام)، وقد استغفرت الله عند ذكر اسمه أمامي (للمرة الأولى)، لأنني اعتقدته اسم رقصة (بريك دانس) وذكر في معقل علم؟!.
لا أحد يلومنا في تلك الفترة، فجأة من التعليم (الثانوي المطور) والذي كنا فيه ضحية تجارب وزارة (المعارف) آنذاك، إلى نظريات (روسو) المعقدة، حيث كان يعتقد أن من يعيش على الفطرة هم أناس رقيقي القلب خالين من بواعث الكره أو العداء، وأن المجتمعات والتجمعات الإنسانية هي من تشكل نظرية الشر أو الأنانية!.
طبعاً كيف (لبدوي مثلي) أن يتأقلم ويفهم مثل هذا الكلام والمثل الوحيد الذي دخلت بسببه (كلية الآداب) بالجامعة هو (موت مع الجماعة رحمة)؟!.
لم يكن هناك كتب كافية في المكتبة عن (روسو آفندي) وإن وجدت أسعارها مرتفعة، ولولا أن أساتذة الإعلام كانوا الأكثر تحرراً من قيود التعامل مع الطالب، وعدم التدقيق في مسائل الحضور والانصراف في المحاضرات، والتعامل معنا كحملة قلم ورسالة، لأصبت بالجنون، لاسيما وأننا كنا من الدفعات الأخيرة التي درست (المسرح) أيضاً ضمن متطلبات الحصول على بكالوريوس الإعلام!.
لأول مرة أغمض عيني وأتخيل أنني أضع ظهري على شجرة، وفي الطرف الآخر من الشجرة صوت يناديني من بعيد مع زخات المطر.. لكن فجأة أفتح عيني لأتذكر أن درجة الحرارة في الرياض تلامس الـ 48، وهو أمر لا يمكن التماشي معه في مادة المسرح؟!.
نظريات روسو، وأبجديات المسرح، فهمتها بفضل مجموعة من الزملاء (الدوافير) ومنهم رئيسا قسم الإعلام بجامعة الملك سعود وجامعة الإمام حالياً، الزميلان الدكتور أسامة النصار والدكتور عبد الرحمن النامي، كانا يكتبانها في مذكرات ويصورانها لنا نحن الغلابة وإلا كان علوم!.
تذكرت (جان جاك روسو) عندما تجولت في معرض الكتاب وقرأت اسمه، وذكرني أكثر مشهد بعض الزوار ممن يحملون (كاميرات) ويصورون جزءا من صفحات بعض الكتب، ولا يشترونها.. قد يبحثون عنها في الإنترنت، وقد يوثقون (أمر ما) فيها.. الله أعلم؟!.
أما مقررات (المسرح) فتذكرتها هي الأخرى وأنا أنظر (لأعداد وزحام) المثقفين في المجتمع، الذين يجوبون ويزورون أروقة معرض الكتاب؟!.
من أشهر مقولات روسو: الناس الذين يعرفون القليل يتحدثون كثيراً، أما الذين يعرفون الكثير فلا يتحدثون إلا القليل!.
لذا فلعل (الصمت) واجب الآن!.
وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.netfj.sa@hotmail.com