إتهمني أحد الفضلاء؛ في مكالمة هاتفية؛ بتحاملي على البنوك السعودية في مقالتي السابقة المعنونة بـ «المدفوعات الإلكترونية وتوعية المستهلك»؛ مؤكدا؛ بحسب رأيه؛ «أن المصارف تؤدي دورها التوعوي بكفاءة؛ وأنها لا يمكن أن تتسبب في الإضرار بالعميل ببيعه مالا يتناسب مع قدراته؛ أو تحميله مخاطر تؤدي إلى خسارته».
أحترم كل ما ذكره الأخ الفاضل؛ وأؤكد له أنها مقصرة في دورها التوعوي والحمائي؛ ولعلي أستشهد بشواهد عابرة تؤكد وجهة نظري؛ ولو شاء؛ لَحَبَّرت كتابا حول علاقة البنوك التعسفية بعملائها. فيما يتعلق بالتغرير بالعملاء؛ وتحميلهم المخاطر غير المحسوبة؛ وبيعهم مالا يتوافق مع احتياجاتهم وقدراتهم؛ أستشهد ببعض الوقائع ومنها؛ تسويق قروض الأسهم؛ وإغراء العملاء بها؛ وحمل مُشتركي صناديق الاستثمار على الاستدانة من أجل المضاربة مقابل رهن وحداتهم الاستثمارية؛ وما نتج عنها من خسائر فادحة وتبعات مؤلمة العام 2006. ومن الأمثلة أيضا؛ بيع البنوك عملائها؛ سندات شركات عقارية أميركية قبيل أزمة الرهونات العقارية العام 2008؛ ما تسبب في خسارة العملاء الذين لم يعلموا قط معنى السندات التي اشتروها بعد أن أكد لهم موظفو الخزينة أنها آمنة. الأمر نفسه حدث لكثير من العملاء الذين سوقت عليهم بعض البنوك سندات شركات وبنوك أميركية فقدت جُلَّ قِيَمِها بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. أما توعية المستهلك؛ فيكفي أن أشير إلى محاولة أحد المصارف استغفال الرأي العام بعد توزيعه خبر إعفاء عملائه من دفع رسوم إصدار بطاقات الصرف الآلي؛ في الوقت الذي تمنع فيه أنظمة مؤسسة النقد تقاضي البنوك أية رسوم على إصدار البطاقات. ومن عمليات الاستغفال أيضا؛ الأسعار المعلنة لفائدة القروض؛ والتي تقل بكثير عن الفائدة (الربح) الحقيقية المحتسبة على مجمل القرض بنهاية المدة!. ويمكن أن أضيف فائدة البطاقات الإئتمانية المعلنة والمحددة بـ 2.5 في المائة؛ أي ما يعادل 30 في المائة سنويا؛ وهي فوائد ضخمة يجهلها غالبية حملة بطاقات الإئتمان. فهل يمكن أن نعتبر ذلك الاستغفال جزءا من برامج (توعية المستهلك)؟!.؛ حقيقة لم أكن متحاملا على البنوك بقدر ما كنت لينا سهلا؛ وما ذكرته لا يعدو أن يكون «غيض من فيض».
أعود إلى موضوعات الدكتور فهد المبارك؛ محافظ مؤسسة النقد؛ التي ذكرها في مؤتمره الصحفي؛ وأركز اليوم على محوري البنوك و شركات التأمين.
أعتقد أن عدد البنوك المحلية والأجنبية لا يتوافق البتة؛ مع حجم المملكة الجغرافي والمالي والاقتصادي؛ ومن هنا يمكن القول إن 1700 فرع يمثلون 12 بنكا محليا؛ و 12 فرعا لبنوك أجنبية؛ في حاجة ماسة إلى الزيادة التي تؤدي إلى تلبية طلب العملاء المتنامي على الخدمات المصرفية بأنواعها؛ واستيعاب الأنشطة المالية الضخمة؛ و خلق منافسة حقيقية في القطاع؛ والتي تسهم في تقديم الخدمة الجيدة للأفراد والشركات؛ وخلق مزيد من الوظائف؛ وتوفير قنوات جديدة للتمويل والاستثمار. السوق في حاجة ماسة لوجود البنوك التجارية المتخصصة؛ والبنوك الاستثمارية.
وعلى علاقة بالبنوك؛ فاستبعاد تحويل لجنة المنازعات المالية إلى المحاكم التجارية، قد يتعارض مع المتطلبات الدولية التي تنص على ضرورة خضوع جميع اللجان القضائية في الدولة لمضلة وزارة العدل؛ ممثلة في المحاكم المتخصصة ومنها المحكمة التجارية. أحسب أن التحول التدريجي نحو المحاكم التجارية وفق المعايير الدولية؛ وبما يضمن العدالة والاستقلالية، وضمان تنفيذ الأحكام هو الأجدى والأصلح للجميع؛ إضافة إلى توافقه مع متطلبات المنظمات الدولية؛ ومنها منظمة التجارة العالمية.
أنتقل إلى محور «شركات التأمين» وأتفق مع الدكتور المبارك بأهمية القطاع؛ وضرورة دراسة أسباب إخفاق معظم شركاته في تحقيق الربحية؛ وأهمية معالجة مشكلاتها بما يضمن وجود شركات قوية قادرة على الوفاء بالتزاماتها لحملة الوثائق مستقبلا. أعتقد أن هناك أربع مخاطر تهدد مستقبل شركات التأمين السعودية هي: الملاءة المالية والكفاءة وثقة الجمهور والمنافسة. كتبت غير مرة عن ضعف أداء شركات التأمين لأسباب مرتبطة بالملاءة المالية، وكفاءة الإدارة؛ وضعف الخبرات؛ وحداثة السوق؛ وتدني كفاءة الموظفين؛ وأشرت إلى أن الأهم في القطاع ليس العدد بل الكفاءة المعتمدة على حجم الشركة؛ فمن الخطأ السماح لشركات ضعيفة بدخول السوق؛ ما يعني تكبدها خسائر متراكمة؛ وتسببها في نزع الثقة من شركات التأمين والإساءة للسوق الوليدة؛ والإضرار بسوق الأسهم. صناعة التأمين في السعودية لم تصل حد الكفاءة والكفاية بعد؛ وهي في حاجة ماسة إلى الدعم وإعادة التنظيم وبما يحقق الكفاءة المطلوبة. أعتقد أن تدني رأسمال الشركات الجديدة لا يساعدها على تحقيق الكفاءة أو مواجهة الخسائر المفاجئة ، وهي وإن نجح بعضها في التعايش مع مطالبات التعويض البسيطة، إلا أنها قد تواجه بمشكلات كثيرة مستقبلا حين ارتفاع حجم مطالبات التعويض في الحالات الاستثنائية.
كتبت العام 2009 عن ضرورة اندماج الشركات الضعيفة؛ ووجوب التشدد في إعطاء تراخيص جديدة لشركات تأمين غير كفؤة تتسبب في الإضرار بالسوق وحملة الوثائق، وهو ما أرجو تحقيقه عاجلا.
قطاع التأمين أحد أهم القطاعات المالية؛ ولا يقل أهمية عن قطاع المصارف؛ ما يعني ضرورة معالجة أوضاع شركاته الخاسرة؛ وتحفيزها على الاندماج ورفع رؤوس أموالها كخيار أساسي للبقاء؛ وتشديد الرقابة عليها؛ من أجل إعادة الثقة في خدماتها التأمينية. ونكمل بإذن الله.
f.albuainain@hotmail.com