البعض أصبح يشكك في دور وجدوى المجلس الاقتصادي الأعلى، بسبب عدم وضوح أدوره وتجانسها مع خطط وزارة التخطيط والاقتصاد وعدم وضوح التوجهات الاقتصادية الكبرى في المملكة، مثل توجهات الخصخصة والتوظيف وغيرها. مؤخراً عين أميناً عاماً جديداً للمجلس الاقتصادي الأعلى، لذلك نعيد تكرار ما كتبناها سابقاً في هذا الجانب، عله يشاركنا برؤيته أو رؤية مجلس الاقتصاد الأعلى في هذا الشأن.
أثناء الطفرة الاقتصادية الأولى لم تتخذ إجراءات صارمة في مجال الإصلاح الاقتصادي وحينما تدنت أسعار البترول وحصل الكساد الاقتصادي استنجدنا بخبرات الهيئات الدولية وخبرات الدول الأخرى فتلمسنا وأصبحنا ندندن حول أهمية إيجاد خطط طموحة للإصلاح الاقتصادي. وصل الأمر بنا أثناء الأزمة الاقتصادية أن تحولت ميزانيتنا إلى ميزانية شبه شهرية بدلاً من السنوية وأوقفنا غالبية المشاريع الكبرى في سبيل الوفاء بالبنود الأساسية كالرواتب.
الآن بعد عودة الطفرة التي نعيشها بفضل ارتفاع أسعار البترول إلى مستويات قياسية، لم نعد نسمع الطرح المتعلق بالتخصيص أو يمكن القول بأن هذا الصوت المطالب بالتخصيص والإصلاح الإداري الاقتصادي يكاد أن يخفت وعاد صوت الصرف الكبير على المشاريع العملاقة عن طريق الميزانية الرسمية، ولست أعلم هل تغير المعطيات قاد إلى تغيير الإستراتيجيات الاقتصادية بالمملكة أم أنها الثقافة التي تتراخى في وقت الوفرة وتستنفر وقت الشدة.
بالمثل كان هناك حديث متكرر عن حجم الجهاز الحكومي وضرورة التوجه نحو تقليصه قدر الإمكان، لتقليص الهدر وتطوير الأداء، حيث إن الجهاز الإداري الكبير يقود إلى البيروقراطية السلبية والروتين وربما الفساد الإداري. لكننا أيضاً لم نعد نسمع هذا الحديث سوى همس، بل إن الفعل الحاضر يواصل تضخيم الجهاز الحكومي بإنشاء مزيد من المؤسسات الحكومية على شكل هيئات مختلفة ويواصل تضخيم الجهاز الإداري للوزارات والقطاعات الحكومية المختلفة، حتى في ظل التوجه نحو التقنية التي يفترض أن تسهم في تقليص حجم الجهاز الوظيفي لا تضخيمه. يضاف إلى ذلك النقاش حول مركزية الجهاز الحكومي، لم نعد نطرح بجدية حلولاً لتقليص المركزية ومنح مجالس المناطق والمديريات - الإدارات الحكومية بالمناطق صلاحيات أكبر في الشأن المحلي بكل منطقة.
التخصيص، تقليص حجم الجهاز الحكومي، تبني مفهوم اللامركزية تحولت إلى عناوين هامشية في عصر الطفرة الحديث، رغم أنه الوقت الأفضل لتطبيق أية إصلاحات اقتصادية إدارية، متى كان هدف الإصلاح هو التطوير المستدام وليس مجرد رد الفعل أمام أزمات طارئة. أعتقد بأن على مجلس الاقتصاد الأعلى، ووزارة التخطيط ومجلس الشورى ولجنة الإصلاح الإداري وغيرها من الجهات ذات العلاقة تحديد الملامح الإستراتيجية للسياسة الاقتصادية والإدارية للمملكة للعقد أو العقود القادمة والسير نحو تحقيقها وفق مراحل مدروسة وواضحة بغض النظر عن تقلبات أسعار البترول.
البعض يشير إلى التدرج ونحن لا نختلف في منطقية ذلك في بعض الحالات لكن نريد أن نعرف خطة ونسب التدرج ومراحلها وآلياتها، لنقول أن لدينا خططا محكمة وليس مجرد أعذار نستخدمها للهروب من الإجابات الحقيقية.
التدرج نحو اللامركزية، بعد كم سنة سيصبح لدينا ميزانيات مستقلة للمناطق؟
التدرج نحو تقليص حجم الجهاز الحكومي، ما هي الأهداف التي نريد الوصول إليها؟
التدرج في التخصيص، ما هي الخدمات التي سنبدأ بتخصيصها وما هي المدة الزمنية لتحقيق ذلك؟
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm