بسبب حساسيتنا المفرطة تجاه الأرقام التي تتحدث عن الإنجازات أصبحنا نشك في أي أرقام تُنشر عن إنجازاتنا، وهذه الحساسية قد يكون لها ما يبررها في بعض الأحيان لأن الأرقام، عموماً، يمكن توظيفها لإثبات أشياء كثيرة متناقضة. وهذه لعبة الأرقام التي يعرفها حتى غير المتعمقين في الرياضيات. يُضاف إلى ذلك أن مثل هذا التوظيف المؤسف قد حدث ويحدث لدينا من حين لآخر.
وقد سمعت أحد الزملاء وهو يتحدث في أحد المجالس مُشكِّكاً في الأرقام التي نشرتها بعض صحفنا المحلية نقلاً عن مجلة «نيتشر» في نسختها العربية التي ذكرت فيها أن المملكة جاءت في رأس قائمة دول العالم خلال العام الماضي 2012 في نسبة معدل الزيادة في النشر العلمي من البحوث والدراسات التي تقع ضمن الأبحاث التي يتم الاستشهاد بها وفقاً للتقليد الأكاديمي المعمول به عالمياً.
صاحبي يرى أن من غير المعقول أن نتقدم على الولايات المتحدة والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية! فأرقام التقرير تشير إلى أن معدل الزيادة في النشر العلمي في العام 2012 عن العام الذي قبله في المملكة هو 33.1%، ثم الصين 13.4%، ثم البرازيل 8.9%، ثم كوريا الجنوبية 7.6%، ثم الهند 4.8، ثم الولايات المتحدة الأمريكية 1.4.. أما اليابان التي جاءت في المرتبة السابعة فقد كان معدل الزيادة فيها بالسالب حيث انخفضت بـ(-1.4%).
من حق أخينا الفاضل، وهو رجلٌ حَسَنُ النية، أن يشكك في هذه الأرقام لأن بعض تجارب الماضي تعزز مثل هذا الشك. لكن ما يجب أن يقال أيضا أن هذا التقرير لا يضع المملكة في مرتبه تعلو على الدول الأخرى التي وردت في القائمة من حيث عدد الأبحاث التي تم إجراؤها أو حتى من حيث نوعيتها.. فالتقرير -كما أفهمه- يتطرق إلى معدل الزيادة في نشر الأبحاث، أي أنه يقارننا بأنفسنا أكثر مما يقارننا بغيرنا، فلو أن ما نشرناه من أبحاث في العام الماضي كان، على سبيل المثال، هو بحث واحد ثم نشرنا هذا العام بحثين فهذا يعني أن الزيادة في النشر كانت بنسبة 100% وهذا يفوق النسبة التي حققتها جميع الدول الأخرى لكنه لا يعني أبداً أننا نشرنا أكثر مما نشرته تلك الدول من الأبحاث.
من خلال متابعتي لبعض جوانب حركة النشر العلمي في المملكة أعتقد أننا نتقدم ونحقق نجاحات تدعونا للتفاؤل، خصوصاً في السنوات الأخيرة بعدما شهدت ميزانيات البحث العلمي ومزايا أعضاء هيئات التدريس بالجامعات تحسناً عما كانت عليه في الماضي، وكذلك بعد إقرار وتنفيذ بعض ما ورد في الخطة الخمسية للعلوم والتقنية والابتكار.
صحيح أننا مجتمع مولع بالمظاهر لدرجة شراء شهادات الدكتوراه الوهمية والمزيفة والتفاخر بها، ولكن يجب ألا نقسو على أنفسنا ونظلمها بأن نقلل من شأن الإنجازات العلمية عندما تكون حقيقة.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض