يقولون: الإسلام دين ودولة .. يُديّنون السياسة ويسيّسون الدين: من هم هؤلاء؟ وعّاظ يؤمنون بأن التاريخ الإسلامي لا يفصل بين الدين والسياسة، ويؤكدون على أن الدين ليس منهج عبادة وتقويم للسلوك فحسب، بل منهج للحكم والسياسة أيضاً، وتختلف التيارات الإسلامية في فهم وتعريف الموقف السياسي للدين الإسلامي.
جاء الاخوان المسلمون في عام28 بقيادة حسن البنا لإقامة منهج سياسي يخاطب الأمة الإسلامية، ولا ينطلق من أساسيات وطنية، وتشكل التنظيم وتطور بفضل تنظير المنتمين له المؤمنين بدولة اسلامية أممية، وأطلقت هذه الجماعة الشرارة الأولى في تطلع الواعظ إلى السياسة، وتسييس الشعور الديني في المجتمعات الإسلامية.
والاسلام ليس لوناً واحداً في الفهم الفقهي، وهذا التنوع جعل النظرة للسياسة والحكم مختلفة من تيار إلى آخر، فالإخوان المسلمون الذين نجحوا بفضل ثورة 25 يناير من الوصول إلى الحكم لأول مرة وتحقيق النجاح في الانتخابات المصرية، لديهم فكر ينظم حراكهم السياسي، وبفضل الدعوة والوعظ التي مارسوها سنوات طويلة، منذ تأسيس الجماعة، انتشر هذا الفكر في بلدان إسلامية، وأثَّر الفكر الإخواني في تيارات إسلامية أخرى أخذت شيئاً من حركية الإخوان بتطبيق بعض أفكارهم ورؤاهم السياسية.
ومع بدايات ما تسمى بالصحوة الإسلامية العالمية في مطلع السبعينيات، كانت فكرة الدولة عند الإسلاميين مثار جدل الباحثين العرب، وكذلك الغربيين، فقد اعتبرها البعض نموذجا للدولة الدينية التي عرفتها التجربة الأوروبية في أزمنة غابرة، ولم تتضح العلاقة بين الدولة الوطنية والأمة الاسلامية، واستمر الجدل حول الديموقراطية والشورى والتعددية السياسية، وكذلك النظرة للعلاقات السياسية الدولية مع الغرب، وهل يعتبر الغرب كافراً أو معاهداً أو هناك صيغة أخرى يمكن التعامل معه على أساسها. واختلفت حول ذلك رؤى التيارات الدينية.
وقامت الثورة الاسلامية في إيران عام 79، والتي يقول ناشطون دينيون “شيعة” أيدوها أن أدبيات الإخوان المسلمين أثرت في نفوسهم وعقولهم وساهمت في تشكيل وعيهم الثوري والسياسي، وكانت الثورة الإيرانية ملهمة لجيل المتحمسين من الحركيين الإسلاميين السنة، واستطاعت ثورة الخميني أن تجيب على تساؤلات لم تهدأ لفترة طويلة عن الإسلام وشكل الدولة، إلا أنها لم تقفل باب التساؤلات والجدل، فالثورة الإيرانية حملت نموذجين؛ ففيها فكرة “ولاية الفقيه” التي تؤكد دينية الدولة، وبذات الوقت هناك انتخابات وتداول للسلطة يجعلها تقترب إلى حد ما للدولة المدنية، وأعطى المذهب الشيعي باجتهادات فقهائه حلولاً دينية أسهمت في حل كثير من الاشكالات المطروحة عن السياسة والاسلام من وجهة نظرهم.
في السودان تجربة أخرى؛ حيث تحالفت الجبهة الاسلامية مع حزب الأمة في عام 89 وشارك الإسلاميون في الحكم، وفي ذات العام قام انقلاب عسكري قاده البشير لم يعرف السودانيون والعالم هويته إلا أنه ظهر توجهه الإسلامي مع أن واجهته عسكرية.. ثم ظهر الترابي عرَّاب الحركة الإسلامية السودانية في مقابلة سابقة مع مجلة “المجلة” ليعترف بأن تجربة الحكم الاسلامي التي ساهم في تسيدها فاشلة.
وتبقى التجربة الايرانية والتجربة السودانية والتجارب السياسية الأخرى والتي اعتمدت على الدين في الحكم والسياسة تجارب دول شكلت نظامها السياسي على أساسات اجتماعية وثقافية، وتقوم في الأساس على رؤية وطنية، ولا تعتمد على حركية الجماعات الأممية التي أتت بهم الصناديق للحكم وصنع القرار في كل من مصر وتونس والمغرب، مما يعني أن الجماعة الإسلامية مهما كانت لا يمكنها أن تتحول إلى دولة، فالدول لها تاريخ وثقافة وأعراف تحكم مجتمعاتها، ولا يمكن أن تفرض الأيدلوجيا نفسها على شعب ودولة، إذا لم تكن الأيدلوجيا جزءاً منه ومن هويته.
يبقى السؤال الحائر.. هل تحكم السياسة تشريعات الدين أم أننا أعلم بأمور دنيانا؟
Towa55@hotmail.com@altowayan