تراجعت المبادئ وحتى الأخلاق والقيم في العلاقات الدوليَّة وقدَّمت المصالح على ما سبق، إِذْ أصبح الحديث عن مصالح الدول فيما جاورها من دول أخرى مشروعًا، بل إن بعض الدول أصبحت تُعدّه نوعًا من الحق يجب استيفاؤه باعتبار مقدمًا على غيره من الذين يبعدون عن تلك الدول، ولأننا في المنظومة العربيَّة نُعدُّ في الأصل كيانًا واحدًا وأن مصالحنا القومية والإستراتيجيَّة، مصالح مشتركة، بل هي في الأصل مصالح عليا مشتركة، إلا أن الملاحظ أن المصالح العربيَّة في الكثير من البلدان العربيَّة منصبة تمامًا على حساب مصالح دول أخرى، ومع إقرارنا بأن لغة العصر هي لغة المصالح، وأنّه لا مانع من أن تعمل الدول لتحقيق مصالحها، إلا أنّه من غير المقبول أن تستكين الدول العربيَّة وتترك خيراتها للآخرين لتستثمر بها وتعظم مكاسبها في حين نتكاسل ولا نبذل أيّ جهد للحفاظ على مصالحنا القومية وتطويرها والبحث عن أساليب لتعزيزها وجعلها أكثر قدرة على التنافس وتحقيق المكاسب التي تعود بالخير على صالح الأمة جميعًا.
التراخي وترك المجال للآخرين لإشغال الفراغ السياسي والاقتصادي والإستراتيجي هو الذي جعل التأثير العربي ضعيفًا وضعيفًا جدًا في الكثير من الدول العربيَّة، وأصبح متراجعًا بعد دول غريبة اللسان، بل وحتى الدين والقومية.
القراءة التحليلية للواقع المعاصر الذي تعيشه العديد من الدول العربيَّة يَرَى أن دولتين إقليميتين تعملان بجدٍّ وبنشاطٍ قويتين لتعزيز مصالحهما المشروعة وحتى غير المشروعة، إِذْ تتنافس كل من إيران وتركيا على إملاء الفراغ السياسي والاقتصادي والإستراتيجي الذي ولّده غياب وتراخي الدول العربيَّة القادرة وأخذ الإيرانيون والأتراك يتمددون على طول الساحة العربيَّة وعرضها فيما يتقلّص النفوذ العربي وتتآكل المصالح العربيَّة في الدول العربيَّة.. نظرة واحدة لما يجري في لبنان والعراق وسوريا تؤكد انحسار النفوذ العربي لصالح دول الجوار..
jaser@al-jazirah.com.sa