لا يخفى على الجميع أن أسعار الطاقة في المملكة بأنواعها المختلفة، بما فيها (الغاز)، ظلت على مدى سنوات طويلة هي الميزة التنافسية الطبيعية التي تميز المملكة، والتي حققت من خلالها العديد من المكاسب الاقتصادية والتنموية من خلال مختلف المشروعات الصناعية والزراعية والاستثمارية والتجارية؛ لذلك فإن أي ارتفاع لأسعار الطاقة سيكون له آثار سلبية على الصناعة؛ ما يضعف القدرة التنافسية للمصانع، ويدخل العديد منها في مرحلة الخسارة.
إن التحولات الجذرية في صناعة الغاز العالمية، المتمثلة في ثورة الغاز الصخري، وضخامة الأرقام التي يتم تداولها عن مخزونات الغاز الصخري، ترجح أنه سيغير قواعد اللعبة في صناعة الغاز العالمية، وستكون له تداعيات على الصناعات المرتبطة بالغاز، وفي مقدمتها صناعة البتروكيماويات؛ لذلك فإن أي ارتفاع لأسعار الطاقة سيكون له آثار سلبية على الصناعة؛ ما يضعف القدرة التنافسية للمصانع، ويدخل العديد منها في مرحلة الخسارة.
وبما أن الدولة تمتلك 75 % من أسهم شركات البتروكيماويات عن طريق صندوق الاستثمارات العامة والتقاعد والتأمينات، وتُعتبر هذه الصناعة من أنجح الصناعات على المستوى الوطني، وأن القيمة المضافة على الاقتصاد الوطني لهذه الصناعة كبيرة وملموسة؛ حيث يعمل بهذه الصناعة بصفة مباشرة أكثر من أربعين ألف مهندس وفني، نسبة السعودة من بينهم أكثر من ثمانين في المائة (80 %).
لذلك سنناقش في هذا الجزء بشيء من التفصيل أبعاد ظاهرة الغاز الصخري محلياً، ونوجز بعض التأثيرات السلبية إذا ما حدث ارتفاع في أسعار الغاز في المملكة.
« نتيجة لاكتشاف الغاز الصخري في الولايات المتحدة ستتغير خريطة الطاقة (نفط وغاز) في العالم، وذلك بشهادة بيوت الخبرة العالمية والشركات الدولية.
« حتى تاريخه وخلال سنتين فقط تم استثمار ما يقارب 144 بليون دولار في الصناعات البتروكيماوية في الولايات المتحدة القائمة على الغاز الصخري.
«لا يوجد أي استثمار في صناعة البتروكماويات السعودية في الفترة الماضية إلا ما قامت به شركة أرامكو - أي الدولة - وهذا مؤشر خطير على عدم تنافسية الوضع الحالي (في ظل الاتجاه لرفع أسعار الغاز للصناعات البتروكيماوية في المملكة العربية السعودية). وتقدر الأسعار الحالية لوحدة غاز الإيثان في الولايات المتحدة الأمريكية بـ3.5 دولار تقريباً نتيجة لاكتشافات الغاز الصخري، وتقدر التكلفة الحالية للشركات البتروكيماوية السعودية التي تستخدم تكنولوجيا التصنيع نفسها (Cracker) التي تقوم عليها مصانع البتروكيماويات الأمريكية حالياً بـ 6.5 دولار تقريباً، أي أن تأثير الصناعة الأمريكية سيؤدي إلى عدم تنافسية الصناعة السعودية.
«ونظراً لعدم توافر غاز الإيثان فإن معظم المصانع الجديدة ستعتمد على تقنية الـ Cracker.
«كنتيجة مباشرة لاكتشافات الغاز الصخري في الولايات المتحدة أصبح سعر غاز البروبان في الولايات المتحدة «أقل» من سعر البروبان السعودي المحلي بمعدل 23 % تقريباً في عام 2012م (نرجو ملاحظة أن السعر المحلي يُباع حالياً بخصم 28 % عن سعر النافثا/ نفط) أي أنه مع سعر الخصم فإن سعر غاز البروبان المحلي غير منافس.
وواضح أن هذه مجرد البداية، ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً مع زيادة إنتاج كميات الغاز الصخري، وبدء المشاريع البتروكيماوية الأمريكية بالإنتاج.
«إن سعر الغاز الصخري ليس هو العامل الوحيد لزيادة تنافسية الصناعة البتروكيماوية الأمريكية، بل التكاليف الرأسمالية ووجود العمالة الأمريكية المدربة ووجود شركات الصيانة قريباً من المصانع وموردي قطع الغيار وتكاليف الشحن والقرب من الأسواق، وكذلك وجود شبكة أنابيب للمواد الخام، تشترك فيها جميع الصناعات البتروكيماوية الأمريكية؛ ما يعني أن الصناعات البتروكيماوية الأمريكية لا تواجه مشكلة في الحصول على المواد الخام حتى لو تم إيقاف التشغيل من قِبل أي من موردي هذه المواد الخام لأي سبب كان؛ حيث إن التكلفة اليومية لتوقف التشغيل للمصانع البتروكيماوية تُقدَّر بملايين الدولارات.
«ستقوم الولايات المتحدة بتصدير إنتاجها إلى دول العالم في أوروبا وأيضاً أمريكا اللاتينية وآسيا والصين؛ ما يعني زيادة حدة المنافسة مع الصناعة البتروكيماوية السعودية، والنتيجة الحتمية انخفاض الأسعار وزيادة عدم تنافسية الصناعة البتروكيماوية السعودية.
«إن شركات تستثمر في صناعة البتروكيماويات في المملكة مثل إكسون موبيل، شل، شيفرون، داو وغيرها ربما تغير سياستها في الاستثمار أو الاستمرار فيه في حال ارتفاع سعر الغاز، وتنسحب من هذه المشاريع؛ ما «يُضعف» الروابط الاقتصادية مع الولايات المتحدة والغرب، وهذا له تأثير سياسي بعيد المدى.
« هجرة الاستثمارات العالمية والمحلية في صناعة البتروكيماويات من المملكة إلى دول أخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وقد بدأ هذا بالحصول فعلاً.
«توجيه ضربة لجهود الحكومة السعودية لتوطين العمالة الوطنية، وهو موضوع حساس جداً لأي دولة نامية، خاصة المملكة التي لا تملك قيمة تنافسية إلا في مجال النفط والغاز.
وإذا نظر المحايد للمستقبل مع زيادة أعداد الشباب السعودي المتطلع للوظائف فستواجه المملكة مشاكل خطيرة، ونظرة لما يجري حولنا بسبب البطالة إشارة واضحة.
«انخفاض نمو الإنتاج والمبيعات للصناعة البتروكيماوية السعودية.
«انخفاض الأرباح للشركات البتروكيماوية السعودية.
«لقد دخلت المملكة في مفاوضات مضنية وشاقة مع منظمة التجارة العالمية، وحصلت على تنازلات مهمة باعتماد سعر مميز للقيم الذي يُباع في المملكة للصناعة البتروكيماوية، وسيكون رفع الأسعار تنازلاً مجانياً لهذه الميزة النسبية الاستراتيجية.
«نتيجة للعوامل أعلاه سيكون هناك أثر سلبي جداً على سوق الأسهم السعودية؛ حيث تشكل الصناعة البتروكيماوية جزءاً مهماً ومؤثراً من حجم سوق الأسهم.
«التأثير الكبير على تكلفة إنتاج الأسمدة التي يستخدمها المزارعون المحليون.
«ارتفاع تكلفة إنتاج المياه المحلاة والكهرباء؛ ما يتطلب زيادة الإعانات الحكومية.