بثت وكالات الأنباء العالمية خبراً يقول: (أعلنت وزارة الداخلية الألمانية حظر ثلاث مجموعات سلفية اتهمتها بالعمل على إقامة نظام قائم على الشريعة الإسلامية في البلاد. وفي هذه الأثناء ألقت السلطات القبض على أربعة سلفيين كانوا يخططون لاغتيال زعيم حركة «برو أن.آر.دبليو» اليمينية المتطرفة المعروفة بعدائها الشديد للأجانب). وجاء في الخبر: (واعتبر وزير الداخلية هانس بيتر فريدريش في بيان له أن هذه المجموعات تسعى من خلال وسائل «عدوانية وعنيفة» إلى تغيير المجتمع «واستبدال الديمقراطية بنظام سلفي وفرض أحكام الشريعة الإسلامية» ..) . وأشار الخبر في خاتمته إلى أنَّ: (السلفيين قاموا العام الماضي بحملة للدعوة إلى الإسلام وزعوا خلالها 25 مليون نسخة من المصحف في ألمانيا والنمسا وسويسرا) .
طبعاً الخبر، فضلاً عن توجه هؤلاء المجموعة، أقرب إلى النكتة؛ غير أن الذي يهمني هنا مدى إساءة هؤلاء الأشخاص إلى الصورة النمطية للإسلام في الغرب. فحرية الاعتقاد التي يؤمنون بها هناك، ويعتبرون المساس بها نسفاً لنظمهم الديمقراطية، يتخذ منها هؤلاء وسيلة لقلب الأوضاع، وهز السلم الاجتماعي، وفي النتيجة يصبح الإسلام (السلفي) في ذهنية المواطن الأوربي خطراً على الاستقرار والأمن، والخاسر في المحصلة هو صورة الإسلام والمسلمين هناك.
كثيرون يعتبرون أن ثمّة موقفاً مبدئياً مُغرضاً من الغرب وساسة الغرب ومثقفي الغرب تجاه الإسلام، وهذا غير صحيح ومُضلل ويعوزه الدليل، إلا إذا كان الإسلام كما يطرحه هؤلاء الذين يتحدث عنهم الخبر أعلاه، يسعى (كفكرة) إلى نسف المفاهيم الديمقراطية في تلك المجتمعات (بقوة السلاح)؛ أما إذا كنت تدعو إلى معتقدك بسلمية فلا يحق لأحد أن يُكمم فاك، بغض النظر عن ما تدعو إليه؛ ففي النظم الديمقراطية طالما أنك مسالم، ولا تعتمد العنف والقوة وسيلة لفرض آرائك على الآخرين، فلك كامل الحق أن تدعو إلى معتقداتك وتُبشر بها، وتحميك في ممارساتك تلك سلطة القانون؛ فلا أحد له الحق أن يمنعك، ولا التضييق عليك، ولا أن يُصادر حقك في الترويج لمعتقدك والدعوة إليه بالطرق المشروعة التي يكفلها لك القانون، حتى وإن كنت وافداً ولست من أهل البلاد الأصليين؛ فالمساجد تمتلئ بها دول الغرب؛ فيستحيل أن تذهب إلى دولة أوربية ولا تجد فيها مسجداً إذا لم تكن مساجد، ومنظمات إسلامية، وأخرى خيرية وإغاثية إسلامية؛ ودور العبادة هذه والمنظمات كذلك يحميها القانون، وتُعامل على قدم المساواة مع دور العبادة والمنظمات المسيحية، لها ما للمنظمات المسيحية وعليها ما على تلك المنظمات؛ وهذه بالمناسبة من (الثوابت) في المنظومات الديمقراطية الغربية، لا يجرؤ أحدٌ كائناً من كان على المساس بها؛ ليس ذلك فحسب، وإنما يُوفرون لك شرط القضاء العادل حتى وإن كنت تدعو إلى تقويض ونسف مجتمعاتهم بقوة السلاح . السلفي الفلسطيني المسمى (أبو قتادة) - مثلاً - قاعدي محض، يدعو كما أعلن مراراً إلى أن يرفرف علم القاعدة المشبع بالدماء على قصر باكنجهام حيث تقيم ملكة بريطانيا، وله علاقات مُثبتة بالقاعدة، مطلوب بتهمة الإرهاب من دولة عربية، ومع ذلك رفض القضاء الإنجليزي تسليمه خشية ألا يتوفر (لعدوهم) هذا محاكمة عادلة فيها!
ومن يقرأ نهاية الخبر الذي بدأت به هذا المقال، سيجد أن صائغيه تعمدوا تضمينه أن: (السلفيين قاموا العام الماضي بحملة للدعوة إلى الإسلام وزعوا خلالها 25 مليون نسخة من المصحف في ألمانيا والنمسا وسويسرا)؛ ما يجعل أي قارئ للخبر يُقارن تلقائياً بين ما يحمله الأوربيون من فكر متسامح في مقابل ضيق الأفق والتعصب والعنف الذي تبشر به هذه الجماعات السلفية؛ فنهاية الخبر تقول ضمناً: لسنا ضد الإسلام، ولا ضد انتشاره والدعوة إليه، ولكننا ضد (العنف) والتغيير بالقوة؛ وأعتقد أنهم مرروا هذه الرسالة بنجاح.
إلى اللقاء،