بماذا توحي هاتان الكلمتان؟ قد يظن القارئ أن الطين المتحرك هو نفسه الرمل المتحرك، لكنهما مختلفان، فرغم أن الرمال المتحركة لها سمعة مخيفة والكل يتحاشاها بسبب القصص التي سمعناها عنها -وهي سمعة مبالغ فيها فليست الرمال المتحركة خطرة لهذه الدرجة- إلا أن الطين المتحرك هو المرعب فعلاً ويستحق أن يفر منه المرء كما يفر من الأسد بل من قطيع من الأسود!
ما هذا الشيء؟ ولماذا علينا أن نهابه؟ الكثير من المهندسين سيفيدوننا أن الطين المتحرك -الذي يُعرَف أيضاً باسم «طين ليدا»- كابوس، فهذه نوع نادر من الطين الساحلي الموجود في الطبيعة، ولا يعرفه الكثير من الناس لأنه ليس في كل العالم يوجد وإنما في مناطق معينة في العالم وتحديداً في المناطق الشمالية من الأرض مثل روسيا وكندا والسويد وفنلندا والنرويج، وكذلك في ولاية ألاسكا في الولايات المتحدة، وسبب تواجده في تلك المناطق تحديداً هو أنها تعرضت لعوامل طقسية في العصر البليستوسيني مما أعطاها خصائص خاصة، وهذا العصر بدأ قبل مليوني ونصف سنة وانتهى قبل قرابة إحدى عشرة ألف سنة. ما الذي يجعل الطين مخيفاً لهذه الدرجة؟ السبب بسيط في الحقيقة، فهذا الطين -كما يوحي اسمه- ليس مستقراً، والمشكلة ليست في المشي عليه فهو يتحمل الأوزان البشرية بسهولة وإنما الخطر في البناء عليه، فهذا الطين يبدو صلباً قوياً في البداية لكنه يضعف بعد فترة خاصة إذا اضطرب بفعل أحداث قوية كالزلازل أو حتى بشيء أهون كالأمطار الغزيرة، وهذا لأن الطين رغم ظاهره المتماسك إلا أن 80% منه ماء، وأظن القارئ استطاع الآن تخمين ما يحصل، فإذا اضطرب الطين المتحرك فالذي يحصل أنه يتحول إلى سائل فوراً، فإذا كان هناك بيتٌ قد بُني على هذا النوع من الطين وأتت أمطار غزيرة أو هزات أرضية فإن ما أسفله يسيل وتبتلع الأرض البيت في ثوان! شيء مخيف!
هذا النوع من الخسف حصل في تلك الدول المذكورة وما زال يحصل، وفي كندا وحدها تَسبّب الطين المتحرك في أكثر من 250 خسفاً مفاجئاً، فيكون أهل البيت في دارهم ولا يدرون إلا والأرض تبتلعهم، والخسف يكون هائلاً أحياناً مثل ما حصل في النرويج عام 1893م عندما ابتلعت الأرض 105 مزارع وقتلت 116 شخصاً، وترك هذا الخسف حفرة ضخمة قُطرها عدة كيلومترات، وأما في عصرنا هذا فمِن أحدث هذه الحوادث هو عائلة في إقليم كويبيك الفرنسي في كندا كانت تشاهد مباراة هوكي وخُسِفَت الأرض من تحتهم بسرعة فائقة لدرجة أنهم لم يستيطعوا تدارك هذا وماتوا وهم جالسون أمام التلفاز، وقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ من الخسف في الحديث المعروف عندما نقول: «وأعوذ بعَظَمَتك أن أُغتال مِن تحتي»، وحتى الذين يستطيعون تمييز الطين المتحرك سيحتارون في أمره، لأنه نادراً ما يوجد واضحاً عياناً ومعظم الأحيان هو تحت التربة العادية!
كل هذا يعني أنه لا بد من اختبار التربة دائماً للتأكد أنه لا أثر للطين المتحرك أسفل التراب العادي. معضلات متتالية، لا أغبط مهندسي ومصممي المباني في تلك المناطق، فمسؤوليتهم هائلة.
Twitter: @i_alammar