تُعد المذكرات رافداً من روافد التوثيق للحقبة الزمنية التي عاشها أصحابها، وقد شاعت المذكرات في القرون المتأخرة، حيث رأينا السفراء والقناصل والرحالة والعاملين في البلدان الأجنبية وغيرهم يدونون مذكراتهم عن البلدان التي عملوا بها، وينقلون لنا صوراً حية عن هذه المجتمعات وعن طبيعة وظائفهم وعلاقاتهم بالآخرين..
وكذا مذكرات رجال الدولة، والعلماء والأدباء في شتى البلدان.
وكتابة المذكرات فنٌ عكف عليه الكثير، تدويناً للمراحل التي مر بها الكاتب طيلة فترة حياته، أو من خلال فترة زمنية أراد أن يُوثقها.. وبين يدينا كتاب: ملوك وجمال «أمريكي في المملكة العربية السعودية» (Kings and Camels An American in Saudi Arabia)، تأليف: غرانت سي بتلر(Grant C. Butler)، نشر في نيويورك عام 1960م، وأعادت دارة الملك عبد العزيز طباعته بلغته الإنجليزية في العام 2008م، ثم أصدرته الدارة في العام الماضي 1433هـ/2012م مترجماً للغة العربية، ترجم الكتاب الدكتور عاطف بن فالح يوسف في 248 صفحة من القطع المتوسط 17x 24 سم، وصدّرته بتقديم ضافٍ، وقدّم للكتاب اللواء متقاعد رسل ماكسويل (Russell L. Maxwell)، كما ألحق بالكتاب كشافاً عاماً.
مؤلف الكتاب بدأ مهنة الكتابة صحفياً يعتني بالشؤون الرياضية في صحيفة شيكاغو هيرولد أميريكان (Chicago Herald-American) في عام 1939م. عمل خلال الحرب العالمية الثانية مراسلاً لإذاعة الفرقة الجوية التاسعة في أوربا. عمل في المملكة العربية السعودية من عام 1948م حتى عام 1951م، حيث كان رئيساً لقسم العلاقات العامة بشركة أرامكو. جاب الكثير من الدول العربية، كما أن مقالاته وقصصه القصيرة عن منطقة الشرق الأوسط نُشرت في الصحف والمجلات الأمريكية. قدم أكثر من ألف محاضرة، وحاز على عدة جوائز لإسهاماته في تحسين التفاهم العربي الأمريكي.
الكتاب يحتوي على اثني عشر فصلاً. جاء في الفصل الأول تحت عنوان: عربي يُدعى سامي حسين. أسباب كتابة المؤلف للكتاب، وذكر أنه بدأ بالكتابة بعد عودته من السعودية سنة 1959م بعد انقضاء مدة عمله، واستقراره في أمريكا.. ثم تطرق إلى الظروف التي ساقته للعمل مع شركة أرامكو في السعودية، وطريقة تدريب الشركة له، وقراءته المكثفة قبل سفره عن الإسلام والعرب.. أما الفصل الثاني فجاء عنوانه: الإسلام، دين الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -.. وسرد فيه المؤلف مختصراً لتاريخ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، محاولاً أن يُؤصل لفكرة التعايش السلمي بين اليهود والمسيحيين والعرب من خلال تعامل الرسول معهم، إلا أن المؤلف قد جانبه الصواب حين ذكر قصصاً في حسن تعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - معهم، ولم يذكر أنه قد أجلى اليهود من المدينة النبوية بعد خيانتهم العهد مع المسلمين.. ثم كان الفصل الثالث حيث كان عنوانه: أرامكو. لقاء الأضداد. تحدث المؤلف فيه عن رحلته من أمريكا إلى السعودية والمحطات التي مر بها، وكيف كان لقاؤه مع موظفي شركة أرامكو. ومن خلال تجربته ومن شاهدهم كان يرى بأن السبب الاقتصادي ليس هو المحرك الرئيس لجميع الموظفين الأمريكان بأن يهجروا أوطانهم وعائلاتهم ويسافروا إلى بلاد الشرق، بل إنه يرى بأن الراحة من صخب المدن الكبيرة كنيويورك، والحاجة إلى بيئة هادئة ومريحة مثل بلاد الشرق كانت من أسباب رحلتهم.. وفي الفصل الرابع تحت عنوان: بدو الصحراء. فصّل المؤلف عن الصفات المغلوطة التي أخذها الغرب عموماً عن العرب، وأن الصورة النمطية التي يتخيلها الغرب عنهم ما هي إلا صور غير صحيحة، وما وقف عليه المؤلف يثبت ذلك.. أما عن الصفات والعادات التي يتحلى بها العرب في الشكل واللبس والصيد والغزو، فهنالك مبررات ساقها المؤلف لتبرئة العرب من وصمهم بها.. والعرب كما ذكر المؤلف لديهم من الذكاء ما يعكس الصورة النمطية المقيتة السائدة في الغرب عموماً عن العرب.. وفي الفصل الخامس تحدث المؤلف تحت عنوان: الإنسان العربي المعاصر.. عن مشكلات العرب الحضارية، ومواكبتهم لركب التطورات الحديثة، وعلاقة الإسلام بذلك، والعوائق التي تتيح التقارب بين العرب والغرب عموماً والأمريكان بوجه خاص.. وفي الفصل السادس جاء تحت العنوان: أسد الصحراء. ابن سعود. ترجمة موجزة عن سيرة الملك عبد العزيز آل سعود، ودوره في تنامي العلاقات الأمريكية - السعودية منلال منح امتياز التنقيب عن النفط لصالح شركات النفط الأمريكية في المملكة.. كما تطرق إلى السياسة التي انتهجها الملك كي يتقرب إلى شعبه.. وعن لقاء المؤلف بالملك الذي أهداه ساعة يد سويرية.. وفي الفصل السابع تحت عنوان: التدريب للعرب والأمريكيين، أخذ المؤلف بالتحدث عن برامج شركة أرامكو في التدريب العام والصناعي وأثره في زيادة الكفاءة العملية لدى موظفي الشركة.. أما في الفصل الثامن فكان عنوانه: قضاء عطلة في أفريقيا. ساق فيه المؤلف أسباب رحلته في إجازته الاعتيادية إلى مدينة أسمرة في إريتريا، والأخطار التي حاقت به بسبب ثورة جماعات الشفتا.. وفي الفصل التاسع تحت العنوان: الصحوة الأمريكية للعالم العربي. تحدث المؤلف عن رحلته التوعوية في أمريكا حول أهمية التقارب الأمريكي - العربي، ومحاولته إزالة الكثير من المعلومات المغلوطة عند الأمريكيين حول العرب عموماً، والسعوديين على وجه الخصوص.. وفي الفصل العاشر جاء العنوان: القومية العربية، والصهيونية، والشيوعية. تحدث المؤلف عن المشكلة الفلسطينية، والمزاعم اليهودية في منطقة فلسطين، والفرق بين اليهودية والصهيونية، حيث رأى المؤلف أن اليهودية: دين تاريخي، أما الصهيونية: فهي حركة قومية سياسية.. وفصّل في بعض المصطلحات المصاحبة لها.. مع أن المؤلف قد بيّن عقيدته تجاه هذا النشاز الموجود في العالم العربي في صفحة 156 بقوله: «إنني لست متحاملاً على إسرائيل، ولست معادياً للصهيونيين، وبالتأكيد لست معادياً لليهود أنفسهم».. وفي الفصل الحادي عشر جاء العنوان: اللاجئون العرب.. وفيه تطرق المؤلف عن حق العرب في عودتهم إلى فلسطين، وتساءل عن أسباب التخاذل العالمي للكارثة الفلسطينية، وما عمله الصهاينة من مجازر أهمها مجزرة دير ياسين. أما في الفصل الأخير الثاني عشر جاء العنوان: أمريكي يُدعى «سامي حسين».. وفيه يرى القارئ الكريم كيف غيّر المؤلف عنوان الفصل الأول الذي كان: «عربي يُدعى سامي حسين» إلى «أمريكي يُدعى سامي حسين»، وقصد بذلك أنه مثلما يستطيع الأمريكي أن يتعايش مع البيئة العربية عاملاً، فإن من الممكن أن يتعايش العربي في أمريكا بصفته مواطناً!، وملخص قصة سامي حسين أنه كان راعياً للجمال والأغنام، ولم يتعلم إلا بعد سن الثانية عشرة في شركة أرامكو، وسافر بعدها إلى أمريكا لتعليم الأمريكان اللغة العربية، وعاد إلى وطنه بغية أن يستقر، لكن لم يطب له المقام وعاد إلى أمريكا موطناً، متمتعاً بكافة الحقوق والامتيازات الوطنية، متعايشاً مع زوجته الإسبانية المسيحية، وجاره اليهودي.
.. (يتبع).
- باحث في دارة الملك عبد العزيز وعضو الجمعية التاريخية السعودية