تعددت الأفكار حول غموض الانتحار.. ويبقى في النهاية أن روحاً قررت التوقف عن الحياة.. ولست بصدد تعداد دراسات أو إحصائيات.. أو الدخول في جدل حول كونها ظاهرة أم حالات فردية أفلت منها الزمام.. يكفي أن يكون هناك ولو حالة واحدة حدثت على مر التاريخ.. لتستحق أن تفرد على طاولة النقاش.. لأن أي واحد منا ليس ببعيد عن هذه الرغبة إذا توفرت ذات الظروف والفكرة.. فالإنسان أياً كان مستواه الفكري يبقى رهين التغير وإن كان طفيفاً.. فأنت لست ذات الشخص في كل مراحل حياتك.
وفي حوار مع بعض ممن حاولوا الانتحار رجالاً ونساءً.. لمست جانبين يُمكن ملاحظتهما.. يدفعان مباشرة إلى وضع حد للحياة.. قد يجتمعان.. أو يأتي كل واحد منهما على حدة.. وأظنها تراكمية لا تحدث فجأة.
الأول: فَقْد القدرة على التعلق بأي شيء.. وأعني هنا أن العواطف في حالة شلل كامل.. مهما حاول الآخرون التقرب وإظهار الاهتمام لهذا المخلوق.. إلا أنه وحيد تماماً.. فما الذي يُفقد الإنسان هذا الجانب المهم في نفسه؟ أترك الإجابة للمختصين.. المهم ملاحظة هذا الشعور القاتل الذي يتسرب للإنسان، إما في وقت مبكر أثناء الطفولة.. أو بعد أن يكبر.
أما الآخر: فهو دافع أكثر منه سبب.. بمحاولة الانتقام من شخص ما.. بجعله يتجرع مرارة الفقد.. بحيث لا يمكنه أن يعيد الأمور إلى مجراها بعد وقوع الفاجعة.. فممارسة الضغط على من نهتم لأمرهم لا يُعد بخير أياً كان الهدف منه.
أما بقية الأمور فلها أهلها من ذوي الاختصاص.. وما ذكرته يأخذنا لمنطقة أخرى يُمكن أن نسميها مجازاً منطقة الصراع الصامت.. في ذلك المكان الذي لا يتحدث فيه أحدٌ بحقيقة مشاعره.. وينزوي دونما حوار.. وبالذات عند الغضب أو التعبير عن الألم.. ويتركها في مكان مظلم من العقل.. ويظن الإنسان أنه نفذ منها.. إلا أنها تعمل بهدوء وتجتث الروابط من جذورها وتنخر العواطف حتى تفنيها.
تحدَّث.. قُل هذا آلمني.. عبِّر عن غضبك.. وفي المقابل لا تسخر من ألم الآخر.. فما تعده أنت مجرد
خدش.. ينزف منه الآخرون حتى تموت أنت في قلوبهم.
amal.f33@hotmail.com