قد يكون سبب عرض ملحوظاتي على كتاب الدكتور المؤرخ الدكتور عبدالله العسكر تاريخ اليمامة أن الدكتور خالد ذكر أن الدكتور الدكتورعبد الله العسكر راجع كتابه الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة في المقدمة فقال:
“وقد تفضل الصديقان الدكتور عبدالله العسكروعبدالعزيز الخضر بقراءة ملخص فكرة الكتاب وقدم كل منهما وخاصة العسكر مقترحات وتساؤلات استفدت منها في كتابة النص النهائي وأنا ممتن لكل منهما على ذلك”. وتحدث الدكتور خالد أيضا في المقدمة عن النظرية الخلدونية ونظرية الحداثة وناقشها باحترافية وذهنية من أطلق حكما مسبقا وأخذ يدافع عنه، ولاينكر منصف ما للإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب من فضل على الأمة قاطبة بتصحيح عقيدتها من الشوائب، وفي تلك المراحل المظلمة تاريخيا لم تسلم بيئة مكة المكرمة والمدينة المنورة بسبب وصاية السلطة الأجنبية عليهما من البدع وأثر هذا على المناطق المحيطة كنجد والإحساء وغيرها وإن كنت أعتقد أن تعميم الأخطاء العقدية على نجد كلها خطأ تاريخي ولكنها موجودة فالقصيم كما ذكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب يكاد يخلو منها، والدليل على وجود الخلل العقدي في مكة ما ذكره الجبرتي في كتابه عجائب الآثارحينما أجبر الإمام سعود بن عبدالعزيز شريف مكة عام 1221من الهجرة على علاج ذلك الخلل العقدي، قال: “فعاهد على منع ذلك وهدم القباب المبنية على القبور والأضرحة لأنها من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهده”..
وأما مسألة التحضر التي ركز عليها فلم تكن أيضا بالصورة التي بالغ في الدفاع عنها إذ المجتمع في تلك الحقب يكاد يكون متشابها في أكثر الظروف، واعترف الباحث نفسه من حيث لا يشعر بأميته في ص140 حينما نقل عن الدكتور عبدالله الشبل أسباب غياب التدوين لشيوع الأمية وانتشار الفوضى والفتن في نجد وقال ص124: “مجتمع الحاضرة كان كما أشرنا مجتمعا بسيطا وفقيرا وأميا”. بل إن كوك وهو من مصادر المؤلف يقول عن المذهب الحنبلي إنه ظهر في: “ مجتمع قبلي أقرب إلى البداوة منه إلى حياة الحضر، ويفتقر إلى تنظيم سياسي فوق مستوى الزعيم المحلي”.
وحينما يتحدث د. خالد عن تصدع القبيلة فلا أدري أي قبيلة في ذهنه، فإن كانت حنيفة أو بني تميم فهما قبيلتان تحضرتا تماما ولم يعد لهما في الجزيرة تكتل للارتحال، فالأولى تحضرت وطمس مسماها من مصادر التاريخ من بدايات القرن الثالث الهجري تقريبا، والأخرى منذ القرن السادس الهجري، وبكر بن وائل التي ارتحلت منذ نهاية حرب البسوس إلى ديار بكر وماردين وآمد في تركيا، وتغلب إلى ديار ربيعة في الشمال، وكذلك ارتحلت قبائل تميم في هجراتها إلى مراكز الخلافة في دمشق وبغداد، فالتصدع من ستة قرون تقريبا، ولو كانت الحاجة لنشأة دولة بسببه فلماذا تأخرت كل هذه القرون.. كما أننا نرصد إمارات قبلية في حائل والجوف والأحساء وكان العمود الفقري لتلك الإمارات هي القبيلة تماما وقد ظهرت بعد الدولة السعودية الأولى وبسطت حائل نفوذها على نجد كلها...
وعودا على ماتم ذكره في المقدمة قال ص110 في الحاشية (30): “من جانبه يرى الدكتور عبدالله العسكر، المتخصص في التاريخ الإسلامي في اليمامة بأن استقرار بني حنيفة في اليمامة لفترة زمنية طويلة تسبب في أن بدأ تماسك القبيلة يضعف ببطء، وانخفضت الأخلاقيات القبلية بشكل تدريجي... الخ”، وهناك وقفات مع هذا النص:
أ- ضرورة البحث عن سبب غير هذا الاستقرار لضعف التماسك لأن الأوس والخزرج كانوا في المدينة متماسكين وكذلك قريش كانت في مكة وبقيت عصبيتها في القديم وفي الحديث لم تضعف المدينة تماسك شمر في حائل بقيادة الرشيد والرولة في الجوف بقيادة الشعلان.
ب- بنو حنيفة كانت متحضرة منذ الجاهلية وكانوا يسمونهم أهل مدر وبقية ربيعة أهل وبر ومع ذلك بقوا متماسكين وصنعوا ممالك كهوذة وحلفه مع كسرى ودولة النجدات في العصر الأموي، بل إنهم لم يدخلوا في حلف اللهازم في الجاهلية ولذلك عرض بهم عوف بن مالك في قصيدته بسبب حروب البسوس.
يابؤس للحرب.....
ثم تلهزموا في الإسلام مع بكر وحلفائها ولو كانت متصدعة لما تجمعت هذه القبيلة في حروب الردة وقادت ربيعة كلها في حروبهم مع خالد بن الوليد... فالمدينة ليست سببا للتصدع
ت- رجعت لنص الدكتور عبدالله العسكر في كتابه تاريخ اليمامة في صدر الإسلام:
ومن ذلك أنه قال ص 62: “كان بنو حنيفة في بادئ الأمر حزبا نشيطا في أيام العرب. وكانوا إلى جانب بكر بن وائل ضد تغلب. لكن بعد ذلك تبعثرت قبائل بني حنيفة وبكر بن وائل وعنزة في اليمامة والمناطق المحيطة، ويعتقد بعض المؤرخين أن بني حنيفة انحازوا إلى تغلب الذين كانوا في صراع دام مع بكر بن وائل”.
وهذا غير صحيح تاريخيا البتة، والعجب أن يصدر من متخصص في تاريخ بني حنيفة الذي يتحدث عنهم وكأنهم غرباء عن بكر، وبنو حنيفة بطن من بطون بكر بن وائل كما أن قوله “يعتقد بعض المؤرخين” غير صحيح إذ لم يعتقد مؤرخ بهذا لأن بني حنيفة من بكر بن وائل ولم تنحاز لتغلب بل انحازت في نهايات الحرب إلى قبيلتهم الأم بكر بن وائل..
-ومن ذلك أنه قال: “وكان منهم ابن الأنباري الذي منح بني حنيفة شرف الهزيمة التي تلقتها تغلب على يدي بكر بن وائل، ويبدو أن حجة ابن الأنباري تستند إلى بعض القصائد التي قادته إلى النتيجة الخاطئة، وعلى أي حال فإن الأحداث التي تلت معركة قثاء تدعم حقيقة أن بني حنيفة كانوا إلى جانب بكر بن وائل..”.
والنص مضطرب يدل على الخلط ولعل الدكتور عبدالله العسكر لم يفهم نص ابن الأنباري لأن حجته صحيحة فالفند الزماني وقصته مع بناته وهو من بني زمان من بني حنيفة كانت له البسالة في يوم قضة وهو آخر يوم في حروبهم ولا أعرف مؤرخا خالف في هذا، كما أن الصواب معركة قضة وليست قثاء ويبدو لي أن النص مترجم من اللغة الأجنبية دون عرضه على اسمه الذي ورد في كتب العربية..
-ومن ذلك أنه قال ص64: “ويناقش بعض الكتاب بأن حلف اللهازم كان بين البدو فقط ولأن بني حنيفة كانوا قبيلة مستقرة فإنهم لم يستطيعوا المشاركة فيه”.
وهناك سؤال للدكتور عبدالله لماذا استقرارها لم يمنعها من تلهزمها بعد ذلك مع بقية بكر، يقول النسابة محمد بن أبي بكر التلمساني من علماء القرن السابع الهجري: “واللهازم هم عنزة بن أسد وعجل بن بكر وتيم الله وقيس وذهل بنو ثعلبة أيضا من بكر بن وائل ثم تلهزمت بنو حنيفة بن لجيم والذهلان شيبان وذهل أبناء ثعلبة بن عكابة...”.
- ومن ذلك أنه قال أيضا ص64: “عشية الإسلام كان وسط الجزيرة العربية تحت سيطرة تجمع عشائري كبير يدعى بكربن وائل”.
وبكر وتغلب هما جناحا ربيعة، فكيف يسمى تجمع بطون قبيلة بكر تجمعا عشائريا
- ومن ذلك أنه قال ص 65 الحاشية (1): “كان حلف اللهازم تجمعا قبل الإسلام وكان برئاسة بجير بن بجير العجلي” وذكر مصادره التي أعتقد أن لبسا اكتنفها واكتنف الباحث، إذ لاتوجد شخصية بهذا الاسم رأست حلف اللهازم في الجاهلية وربما اختلط الأمر تصحيفا لاسم أبجر بن بجير العجلي كما تذكر المصادر قصته ولكنه رئيس اللهازم في الإسلام وقتل في حروب الردة..
- ومن ذلك أنه قال ص70:”بنو سدوس بن ذهل بن عقبة الذين كانوا على مايبدو الفرع الزصغر بين تجمع بكر بن وائل”.
ومن يسبر أغوار التاريخ لايجد عقبة في سلسلة نسب بكر بن وائل فلعله تصحيف ثعلبة... وربما كانت مشكلة الدكتور عبدالله أن المترجم للرسالة من اللغة الأجنبية كان أعجميا ولو ترجمها بنفسه لاستدرك هذه الأخطاء التي لاتليق بمؤرخ بحجمه.
والله من وراء القصد
abnthani@hotmail.com