قضية رهام، الطفلة التي نقل لها دمٌ ملوثٌ بالإيدز، لم تنته، ويوجد مثلها قضايا عديدة، أراها تشكّل تهديدًا حقيقيًّا للأمن الصحي الوطني ببلادنا.
من هنا أطرح الأسئلة؛ ماذا تعلَّمنا من هذه القضايا وماذا عملنا لتجنبها وتحويلها من مُجرَّد قضايا فردية إلى مدخل لدراسة موضوع نقل الدَّم في المملكة بصفة عامة؟
لفهم ما يحدث في هذا المجال وبمناقشة الموضوع مع أهل الاختصاص خلصت إلى حقائق تتعلّق بموضوع التبرع بالدَّم وبنوك الدم، أطرحها هنا وأتبعها بمقترحات للنقاش علَّها تسهم في تطوير العمل في هذا المجال.
الحقيقة الأولى: لا يوجد معايير موحدة لعملية التبرع بالدَّم وفحصه وتخزينه. هناك فقط مستشفيات الحرس الوطني والتخصصي تتبع نظمًا عالميَّة متقدِّمة بحكم اعتمادها من قبل الجمعية الأمريكيَّة لبنوك الدَّم والكلية الأمريكيَّة لعلم الأمراض. بقية القطاعات بما فيها وزارة الصحة، القطاع الصحي الأكبر، لا يوجد لديها معايير واضحة وتتنوّع فيها المدارس والخبرات بحكم استقطابها خبرات من مختلف دول العالم ولديها نقصٌ كبيرٌ في المتخصصين المُتميزِّين في مجالات نقل الدَّم وفحصه. يوجد بالمملكة أكثر من خمسين بنكًا حكوميًّا للدَّم لا تضبطها معايير قياسية موحدة. وبالطبع لم تتوفر لديّ معلومات واضحة عمَّا يحدث بالقطاع الخاص!
الحقيقة الثانية: يوجد هدرٌ كبيرٌ في عملية نقل الدَّم والاستفادة منه، بسبب تعدد الجهات التي تقوم بسحب الدَّم وعدم توحيد بنوك الدَّم ضمن بنك واحد على مستوى كل منطقة، على أقل تقدير. لذلك نلاحظ إعلانات طلب دم في قطاع دون القطاع الآخر. تجاوز حجم التبرعات 500 ألف تبرع في العام الواحد، ولا ندري حجم الاستفادة الفعلية من هذا الحجم الكبير.
الحقيقة الثالثة: الدَّم المتبرع به في المملكة لا يستفاد منه بِشَكلٍّ كاملٍ، والكميات التي لا يستفاد منها خلال أيام -حسب معايير صلاحية الدَّم وتخزينه- يتم إتلافها. لا يوجد في المملكة تصنيع لمنتجات الدَّم بالرغم من أن ما يتم استيراده سنويًّا من منتجات الدَّم يتجاوز حجمه 500 مليون ريال وفق تقدير الخبراء.
الحقيقة الرابعة: في حالة الطوارئ فقط، ومن باب الفزعة لا النظام، قد يستفيد أحد القطاعات مما موجود لدى القطاع الصحي الآخر داخل المدينة. لكن ذلك لا يحدث من منطقة لأخرى بسبب عدم وجود برتوكول نقل للدَّم من منطقة لأخرى بِشَكلٍّ عاجلٍ وآمنٍ.
أمام الحقائق أعلاه اقترح البدء في الحلول التالية:
أولاً: توحيد معايير عمل بنوك الدَّم وآليات التبرع والفحص للدَّم في المملكة، وفق أحدث المعايير العالميَّة، بالاستفادة من خبرات المستشفيات الكبرى محليًّا والخبرات العالميَّة كذلك.
ثانيًا: توحيد برنامج التبرع بالدَّم بين مختلف القطاعات الصحية، بحيث يكتفي ببنك دم مركزي في كلِّ مدينة يخدم جميع القطاعات، وذلك لأجل تقليص الهدر في التكاليف وفي استخدام الدَّم الفائض والأهمّ من ذلك لأجل توحيد المعايير وبناء الخبرات المتميزة في هذا المجال.
ثالثًا: بناء مصنع لإنتاج منتجات الدم، بدلاً من استيرادها وذلك بالاستفادة من الدَّم المحلي. هذا يَتطلَّب وجود بنك موحد ليكون هناك كميات كافية لتشغيل مثل هذا المصنع. مصنع منتجات الدَّم قد لا تزيد تكاليفه عن 100 مليون ريال وسيسهم في توفير مشتقات الدَّم المختلفة وتوطين التقنيَّة وخدمة المنطقة في حال زاد إنتاجه عن احتياجاتنا المحليَّة.
رابعًا: تطوير نظام السجل المعلوماتي لبنوك الدَّم ونتائج التحاليل والحالات التي تستوجب التسجيل والإبلاغ، ليكون نظامًا آليًّا وآنيًّا يسمح بتبادل المعلومات بِشَكلٍّ أكثر يسرًا وفعاليةً وموثوقيةً بين مختلف القطاعات.
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm