|
منذ خسارة الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- لمعركة الترشح لانتخابات منصب مدير عام (اليونسكو) 1999م، ولديّ قناعة تامة بأننا لا نتقن أصول اللعبة الانتخابية.. فالقصيبي رغم كفاءته خسر أمام المرشح الياباني بسبب انقسام الصوت العربي بين مرشحين عربيين، وما أشبه الليلة بالبارحة، حيث يعيد المرشحون العرب هذا الخطأ في كل مناسبة، واليوم يكررونه في انتخابات الاتحاد الآسيوي لكرة القدم بتنافسهم بمرشحين عربيين هما الإماراتي يوسف السركال والبحريني الشيخ سلمان آل خليفة، مقابل مرشح واحد من شرق آسيا يستفيد من انقسام الصوت العربي لصالحه.
وكانت الفكرة الرائعة بدخول مرشح توافقي لتوحيد الصوت العربي، وكان الاتفاق على (السعودي) حافظ المدلج كحل توافقي، فماذا حدث بعد ذلك ولماذا لم ينسحب المرشحان السابقان لصالح المرشح العربي التوافقي؟.. وكيف تجرأ الاتحاد السعودي لكرة القدم ورشح «المدلج» لمنصب الرئاسة الصعب؟.. ثم هل يستطيع الاتحاد السعودي توفير متطلبات العملية الانتخابية ودعم المرشح السعودي؛ بعد أن حظي هذا الاختيار بقبول عدد من القيادات السياسية والرياضية بالمنطقة؟.
واقع الحال يقول: إن قدرات اتحاد القدم على مستوى الكفاءات والخبرات وآلية العمل أقل بكثير من الدخول في دعم عملية انتخابية بهذا الحجم.. إضافة إلى أن هناك فكراً سطحياً لدى البعض ممن يتمنون عدم فوز المرشح السعودي بسبب ميوله الرياضية، وهذه حقيقة مؤلمة ظهرت في الإعلام الرياضي، وفي مواقع التواصل الاجتماعي.
ويبقى اللغز الكبير الذي لم تكشف كل تفاصيله في عملية ترشيح المدلج، هو تلقيه وعداً من (شخصية كبيرة) بالتكفل بمتطلبات الحملة الانتخابية اللوجستية والمالية، وهو ما أكده الأمير نواف بن فيصل شخصياً للمدلج، وقد ذكر المدلج هذه الواقعة في أكثر من لقاء إعلامي.. وقد ارتكزت متطلبات الترشح على ثلاثة عناصر أساسية لا يمكن أن يتم الفوز بدونها مجتمعة؛ تبدأ بتنازل كل من المرشحين الإماراتي والبحريني، وتمر برصد ميزانية كافية للحملة الانتخابية، وتنتهي بالدعم الحكومي اللوجستي من خلال السفارات والقوى الاقتصادية السعودية لكسب أصوات التأييد في كل أرجاء آسيا؛ وقد كان هناك (وعد صريح) بإقناع جميع المرشحين آنذاك بالانسحاب لصالح المرشح السعودي، وقد تم إبعاد المرشح الصيني وإقناع المرشح الإماراتي بجهود شخصيات (خليجية) ولكن لم يتم أي تحرك بشأن المرشح البحريني الذي كان يعتقد بأنه الأسهل نظراً لمتانة العلاقات السعودية البحرينية، والتي جعلت الجميع يثق بأن السعودية لن تجد أي صعوبة لإقناع الشيخ سلمان بالانسحاب، إلا أن ذلك لم يحدث، ولم يتم الاتصال بأي شخصية بحرينية في هذا الاتجاه، فلم يتحقق العنصر الأول.. أما ميزانية الحملة، فلم يتم حتى كتابة هذه السطور رصد أي مبلغ مالي للحملة، وحتى الآن ولم يتحقق العنصر الثاني.
أما ما يخص الدعم اللوجستي، فلم يتم توجيه أي خطاب لوزارة الخارجية لتتولى دعم المرشح السعودي من خلال السفارات السعودية في الدول الآسيوية، كما لم يصدر أي بيان من أي شخصية خارج منظومة الرياضة ليعلن تأييده للترشيح، مثلما فعلت حكومات المرشحين الآخرين، وبذلك لم يتحقق أي من أركان نجاح الحملة الانتخابية.
وعليه فإن حظوظ السعودية برئاسة الاتحاد الآسيوي شبه مستحيلة، ومع مرور الوقت تتضاءل الفرص أكثر وأكثر، حيث لا يوجد أي تحرك رسمي يدعم المرشح السعودي الذي تم الزج به في معركة (خاسرة) بدأت بوعود (لم يتم الوفاء بها) وستنتهي حتماً بانسحاب سعودي من المسرح الذي صعدنا عليه للمرة الأولى، وربما نحقق بعض المكاسب الإيجابية كتعلم أبجديات الانتخابات لزيادة قدراتنا في المستقبل، وكذلك ربما تحصل السعودية على منصب نائب الرئيس، وزيادة عدد الممثلين السعوديين في لجان الاتحاد الآسيوي وإدارته، ولكن علينا أن نعترف بالخطأ الفادح في الزج بمرشح سعودي دون منحه الأدوات الضرورية للفوز. والسؤال الأهم هو: هل حصل سوء فهم في مضمون الرسالة التي تلقاها الأمير نواف من (الشخصية) التي وعدت بدعم الحملة؟ أم أن هناك خلافاً على التفاصيل؟.. أم أن هناك أموراً أخرى لا نعلمها؟.. وأتمنى من المرشح السعودي حافظ المدلج أن يكون أكثر وضوحاً في كشف حقيقة الترشح، وهل تواصل شخصياً مع من وعده بتوفير الدعم؟.. وما هي الضمانات التي تلقاها ليدخل معركة الانتخابات الآسيوية؟.
فالمتابع الرياضي الحصيف يعي سهولة أن المرشح السعودي خسر بسبب (الهجمة المرتدة) أو لنقل خسر (بنيران صديقة) وتم الزج به بناء على ثلاثة وعود أساسية لم يتحقق أي منها.. وكنا نأمل من الأمير نواف بن فيصل باعتباره رئيس الاتحاد العربي لكرة القدم، أن يقوم بدوره في جمع العرب على كلمة واحدة ومرشح واحد، كما أنه يستطيع توفير ميزانية مبدئية للحملة، كما كنا نأمل أن يتبنى الكتابة للجهات المختصة ومتابعة الخطابات لضمان تمهيد الطريق للمرشح السعودي ليفوز بالمنصب الذي سينعكس إيجاباً على الرياضة السعودية.
ويبقى سؤال واحد وهو: ماذا لو انسحب المدلج من الترشيح؟.. فهل سينسحب أحد المرشحين العربيين لصالح الآخر؟.. أم سيحدث مثل ما حدث حين انسحب الدكتور غازي القصيبي من انتخابات اليونسكو (الثانية) عام 2009م لصالح الوزير المصري فاروق حسني لتوحيد الصوت العربي، ليفاجأ بدخول مرشح عربي آخر، لينقسم الصوت العربي كالعادة، ويخسر العرب معاركهم بأيديهم..؟!.
- متابع رياضي