غضب الصيدلانيون أم لم يغضبوا فللجراد حالة موسمية يعيشها المجتمع كل عام، لا سيما كبار السن في أعالي نجد وما جاورها ممن تذوقوا طعمه في شتى الأطباق مشويها ومطبوخها، فقد كان لهم معه مواقف وحكايات لا تنسى، في زمن كان هو الأمل في تذوق الزفر حتى الامتلاء والشبع، ويكنز الفائض لتذوقه بعد الموسم الغني بالصيد الثمين حين تتوق أنفس الصغار لشيء من التفكّه بطعم القادم من أعالي البحار لالتهام مزروعاتهم وكل أخضر على وجه الأرض بعد ان يفرغ من اعشاب الصحراء، فإذا بهم يعاجلونه بهجمة رجل واحد مع انبلاج نور الصباح حيث يكون الجراد في ساعة استرخاء قبيل الانطلاق في جولة من القضم والهضم او الإقلاع لأرض اكثر خصوبة واخضراراً، وما هي الاّ سويعة فإذا به محمولاً داخل اكياس على ظهور الابل والدواب ثم جاءت السيارات (اللوري) بعد سنين لتكفيهم اعباء الحمل الثقيل لذلك كانوا يسمونها (الحمّاليّه)، فيجلب للأسواق ويتمتع الناس لا سيما محدودي الحال بطعام يجمع في منظورهم بين الغذاء والدواء، إذ إنهم يعدّون الجراد من اذكى واطهر الحشرات فلا يأكل الاّ اطيب الشجر وانفعها لصحة الانسان فهو برأيهم دواء طائر يأتيهم كل موسم لينقي اجسادهم من كافة السموم والعوالق والرواسب والطفيليات، وتقول امثالهم الشعبية التي لا يعرفها جيل اليوم: اذا جاء الجراد صرّوا الدواء، وهم لا يقارنونه بالكمأة (الفقع) حتى وان تزامن توفرهما في وقت واحد، فلهم في الكمأة رأي آخر لأنها حين نموها تحت التربة تضم حبيبات من الرمل وبعض العوالق التي ربما تكون مضرة بالصحة فينعكس المثل الشعبي السابق، فتبدأ النساء بإبراز الأدوية مع ان الكمأة طعام لذيذ محبب وعلاج لكثير من الامراض خاصة عند النساء، في كل الاحوال فهذه الحكايات المنقولة لنا من الآباء والاجداد تشير بوضوح الى انهم كانوا مدركين لأهمية العناية بصحتهم بما يملكونه من معطيات طبيعية وامكانات بسيطة، كما تدل على اهتمامهم بالعلاج الطبيعي من الاعشاب وانها المصدر الاساس للأدوية والاستطباب، فكانوا يجمعون ما امكن من اعشاب بريّة موسمية بعينها ويحفظونها بطرق مناسبة لاستخدامها عند الحاجة لها في غير موسمها كما يفعلون بالكمأة وغيرها، ورغم إعلان الجهات المختصة الآن أنها ترشّ الجراد القادم لأراضي المملكة بالمبيدات الحشرية الاّ ان القوم لا زالوا على شهيتهم القديمة له ينظفونه ويقدمونه للضيوف كدليل على المبالغة في التكريم، هذاكما اسلفت في مناطق لازالت على ودها القديم واخلاصها وحفظها لموروث الاجداد، كشأن مناطق اخرى حافظت على عاداتها مع اصناف من المأكولات في بيئتها، كالحريد في جازان والروبيان في الاحساء والشرقية وغيرها، الملفت في أسواق الجراد أن عمالة آسيوية دخلت السوق بمنافسة ربما غير شريفة للمواطن الذي يعرف ماذا يفعل مع هذه الحشرة المحببة له، بينما العامل المخالف لا يهمه تقديمها على الاصول المرعية في صيدها وحفظها، كل ما يهمه جمع المال بدليل انه يدخل مع الجراد أي جسم يتحرك او يطير حي او ميت طاهر او نجس، لماذا يا صديق؟ الجواب المضحك المحزن: (كلّه زراد)!!
t@alialkhuzaim