بالأمس كنا نتسابق على دور النشر العربية عندما يُقام معرض الرياض الدولي للكتاب، وخصوصاً اللبنانية والمصرية بحكم خبرتها العريقة في عرض ونشر الكتب، التي غالباً لا نجدها في مكتباتنا التجارية على امتداد رقعة الوطن، فضلاً عن الإصدارات الجديدة التي تزفها تلك الدور للقارئ العربي أو السعودي من أفواه المطابع، وهي إصدارات حيوية تعكس الحراك الفكري في العالم العربي وتلاحقه، وتكشف عن أبعاد واقعه المعاصر لنخبته المثقفة ورموزه الأدبية وتياراته الفكرية وأحداثه السياسية وحركته البشرية التنموية، خاصة الدور العربية المهاجرة التي نمت وعملت وعُرفت في البلدان الغربية، حيث أجواء حرية التفكير الواسعة والأدوات البحثية المتنوعة والمصادر العلمية المتعددة.
اليوم لم نعد كذلك.. ليس ضعفاً بدور النشر العربية أو تقليلاً من مكانتها الثقافية، إنما لأن مسرح الكتاب العربي السنوي ومهرجان الثقافة العربية الموسمي قد شهد منذ بضع سنوات ولادة (دور نشر متميزة)، أعادت التفكير في الحضور السعودي الثقافي على مستوى المشهد العربي؛ وبالتالي تشكيل الوعي نحو المنتج السعودي الثقافي بكل ألوانه ومشاربه، بظهور شريحة مثقفة وواعية من شبابنا السعودي المبدع، شباب اتجه إلى عالم البحث والتأليف والنشر والطباعة، فلم يكن هامشياً بالمشاركة أو تقليدياً بالعطاء أو ضعيفاً بالأداء، إنما كانت بصمته واضحة كالشمس، وأثره نقش على رفوف المكتبة العربية بعناوين معبرة وإصدارات قيمة هي حديث المثقفين والمهتمين قبيل انطلاق فعاليات أي معرض كتاب تشارك فيه دور النشر الخاصة بهم.
هنا أتكلم عن (الشبكة العربية للأبحاث والنشر)، حيث تجد الأستاذ نواف القديمي وهو ينسج عناوين الإصدارات الثرية بالمعرفة ويقدمها للباحثين عن الوعي الحقيقي، كما أشير إلى (جداول) حيث تجد الأستاذ محمد السيف وقد انتصف بين الجداول، التي تتدفق بالسير والعلم والتاريخ؛ ليروي عطشى الثقافة، وأيضاً هنا أتحدث عن (طوى) حيث تجد الأستاذ عادل الحوشان وقد سار بك في أرض طوى يطلعك على الروايات وكتب الأدب الرقيق، ولا أنسى هنا أن أقف معك لدى (مدارك) حيث تجد الأستاذ والإعلامي تركي الدخيل وقد حملنا جميعاً عبر المسبار نحو مدارك الفكر والفلسفة والواقع السعودي بكل تجلياته، وغيرهم من الشباب السعودي الذي اقتحم عالم النشر، وأخذ زمام الإبداع فيه كالأوراق الثقافية ودار رسالة البيان وغيرها.
ولكن ما يحز بالنفس أن تلك الدور، التي تشهد إقبالاً كبيراً خلال أيام معارض الكتاب، وبالذات معرض الرياض، لم تنل حقها من التكريم الاعتباري، المتمثل في أن تكون في صدارة دور النشر العارضة، من حيث المعاملة واختيار المواقع وحجم المساحة، فهي وإن كانت تأتينا من خارج الحدود إلا أنها بالأخير تعبر عن الوعي السعودي والفكر السعودي، وفوق ذلك تحمل الهوية السعودية التي غابت في عباءة جنسية عربية. وكأنه مكتوب علينا أن يكون إبداعنا باسم غيرنا.
moh.alkanaan555@gmail.comتويتر @moh_alkanaan