أخفقت دوائر حكومية وشركات ومؤسسات في القطاع الخاص في تحقيق أهدافها بسبب الأسلوب الإداري الذي ينتهجه المدير. في أمريكا أعلنت شركة كوداك العريقة في صناعة الكاميرات والأفلام مطلع عام 2012 إفلاسها بعد أكثر من مئة عام من النجاح على خلفية تعنّت مديرها وإصراره على تطبيق نظريات تقليدية في حل المشكلات المحيطة بالشركة بسبب دخول منافسين أقوياء ورفضه للأساليب الابتكارية غير التقليدية القائمة على التفكير الإبداعي والكفيلة بإيجاد حل سريع وجذري لأي مشكلة وفي زمن قياسي ومنها كساد سوق الكاميرات القديمة والأفلام التي تحتاج إلى تحميض وطباعة بعد هيمنة الكاميرات الرقمية فلو اتخذت الشركة قراراً سريعاً وحاسماً بالتغيير الجذري والتحوّل للنظام الرقمي ومجاراة التغيّر في السوق لما وضعت نفسها في هذا المأزق.
في الوقت الحالي لا مجال في الإدارة للأساليب التقليدية البطيئة. الحاجة قائمة لأساليب فائقة السرعة تجاري سمات عصر مختلف تماماً عن العصور الماضية، إذ يتميز بالانفتاح على تجارب الآخرين بسبب سرعة تدفق المعلومات. عصر سريع التبدل والتغيّر؛ فعمر المنتج أصبح قصيراً قد لا يتجاوز السنة في بعض الأحيان. عصر كثرت فيه الخيارات أمام المستفيد، فالجامد سيتجاوزه المستهلك. قد تكون الإدارة الحكومية بطيئة في التجاوب مع المتغيِّرات لكن التغيُّر السريع سيفرض عليها وعلى المدى الطويل تغيير أساليبها القديمة ولك أن تتصوَّر إدارات ما زالت تتعامل مع الورق كيف سيكون وضعها في المستقبل القريب وليس البعيد؟ بمجرد دخول كثير من الإدارات الحكومية لميدان تنافس أشرس بفضل انخراط معظمها في نظام الخصخصة ستنقلب الأمور وحينها لن يتسع الكرسي إلا لنوعية محددة من المديرين.
المدير بالفطرة هو رجل المرحلة الحالية والمستقبلية. يتميز بأنه عملي وواقعي يتعامل مع الحقائق المادية مع اهتمام أقل بالنظريات. يهتم بتتبع التجارب الناجحة والمهارات الجديدة ويسعى لتطبيقها في ميدان عمله. حاسم في اتخاذ القرارات, عمله منظَّم ومرتب, يمقت الفوضى ويقدِّر الكفاءة , يكرّس وقته وجهده لتنفيذ الأعمال ذات النتائج الواضحة والملموسة, مبادر لحل مشكلات العمل, واضح ومستقيم في طريقة التعامل ولديه قدرة على التواصل الاجتماعي. يستخدم ذكاءه الفطري في مجال عمله أكثر من استخدامه لإجراءات منطقية طويلة قد تقلّل من فرص الحل السريع للمشكلات. قدمت دايان تريسي كثيراً من النصائح للمديرين في كتابها “الإدارة بالفطرة” وبالذات فيما يخص التعاون مع الزملاء وتوزيع العمل بالعدل وإقناع الآخرين والتغلّب على مقاومة التغيير ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب, وترى تريسي أنه عندما يغرق القادة في نظريات الإدارة المعقدة فإنهم ينسون كيف يعتمدون على ذكائهم الفطري وإحساسهم الطبيعي, وتكون النتيجة افتقادهم للحاسة السادسة وللقدرة على التمييز والرأفة بالآخرين وكلها مشاعر ضرورية للقيادة الفعَّالة.
عايشت مديرين وسمعت عن آخرين فوجدت أنماطاً متعددة من أساليب الإدارة ليس من بينها الأسلوب الفطري إلا ما ندر. وجدت منهم الروتيني, ومنهم الذي يعتمد في قراراته على ما يسمعه من أصدقائه, ومن يسعى لرضا الجميع حتى ولو على حساب العمل, ومنهم من يتخذ قراراته منفرداً, ومنهم الغامض, والمقلِّد, والمتصيد, والمذبذب, والضعيف والفوضوي, ومنهم القوي والصارم برتم زائد عن الحد المطلوب.
الخلاصة أن مؤسساتنا بحاجة أكثر من أي وقت مضى للمدير الذي يستخدم ذكاءه الفطري وحدسه في الإدارة في توليد أفكار إبداعية تضمن إنتاجية أفضل.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15