أبرز ظاهرة يمكن ملاحظتها والاتفاق على تجلياتها في مخاض ثورات الربيع العربي، هي وصول الإسلاميين - وتحديداً الإخوان المسلمين- إلى سدة الحكم بعد أن كانوا قرابة ثمانية عقود في صفوف المعارضة أو خلف قضبان السجون،
وهنا أشير إلى أبرز مثالين هما حزب (النهضة) في تونس، وحزب (الحرية والعدالة) الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، فضلاً عن ظهور أحزاب إسلامية (وسطية وسلفية) على المسرح السياسي بقاعدة شعبية لا يُستهان بها حتى إنها كانت أقرب إلى المفاجأة بالنسبة للمهتمين والمراقبين السياسيين.
مع ذلك نجد أن الإسلاميين في تونس ومصر حالتان مختلفتان من حيث مجريات الواقع الراهن، وظروف البيئة التي يتحركون فيها، وطريقة معالجة المستجدات السياسية الطارئة وهم في موقع السلطة، فإسلاميو تونس استبقوا معركة السياسة وتداعياتها السلبية باقتسام كعكة السلطة مع الأحزاب العلمانية من يسارية وليبرالية وغيرها، في ظل دستور متفق عليه وانتخابات نزيهة شارك فيها الجميع، لهذا تبدو الحالة التونسية أفضل حالاً من الحالة المصرية بغض النظر عن التظاهرات المستمرة لدى الأحزاب التونسية والاختلاف على تشكيل الحكومة. كون الحالة الإخوانية المصرية قد وصلت إلى طريق أشبه ما يكون مسدوداً على شتى المجالات وكافة المستويات، حتى قيل عن الواقع المصري (حكم بلا خبرة.. ومعارضة بلا مشروع)، فمؤسسة الرئاسة تبدو عاجزة عن معالجة التطورات السلبية المتلاحقة، بحيث يهدأ الشارع الذي ما زال مضطرباً منذ الإعلان الدستوري الاستثنائي للرئيس مرسي، وخصوصاً أن هذه التطورات لم تقف عند تظاهرات الشوارع واعتصامات الميادين، إنما صارت على مستوى بعض المدن بتعطيل الحياة في أجزائها، كما يحدث في مدن القناة وبالذات بورسعيد، التي دخل مواطنوها في أزمة ثقة مع مؤسسة الرئاسة وصدام مع الأجهزة الأمنية، إضافة إلى ظهور رغبة كثير من المواطنين والأحزاب في عودة المؤسسة العسكرية للحياة السياسية وإدارة البلد وعدم وقوفها على الحياد في خضم الأحداث الساخنة الجارية.
هذا الاضطراب الحاصل يجاريه على الطرف الآخر موقف أحزاب المعارضة، سواءً في جبهة الإنقاذ التي أعلنت مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة، مع تأكيد رفضها المسبق لنتائج الاستفتاء على الدستور وما ترتب عليه، أو موقف بعض الأحزاب الإسلامية (الوسطية والسلفية) الرافض لأسلوب تعاطي الرئاسة مع الأحداث اليومية الجارية على الساحة المصرية، لدرجة أن موقف حزب (النور) السلفي صار أقرب إلى موقف المعارضة العلمانية منه إلى حزب الحرية والعدالة الإخواني، أما الإشكال الأكبر الذي يواجه (الإخوان المسلمين) في حكمهم اليوم، فيتمثَّل في عجز حكومة قنديل عن معالجة الأزمة الاقتصادية، المتفاقمة على أكثر من مستوى وبشكل مخيف، بدلالة قرض صندوق النقد الدولي الذي طلبته مصر، وما سوف يترتب عليه من إجراءات تقشفية قطعاً ستمس حياة الإنسان المصري البسيطة ما قد يزيد من معاناته المادية، وكذلك ضعف المردود السياحي في مصر. زد على كل ما سبق حالة التوتر القائمة بين السلطتين التنفيذية والقضائية، والحرب الباردة بين وسائل الإعلام المصرية غير الرسمية ومؤسسة الرئاسة ومن ورائها حزب الحرية والعدالة.
هذه الصورة السوداوية لا تحمل بين أركانها وميضاً يمكن أن يبعث على التفاؤل نحو مستقبل مزهر أو على الأقل حاضر مطمئن، بقدر ما تحمل مشهداً جلياً على (الانسداد الإخواني) في طريق إدارة الدولة، فكل الطرق التي أمام جماعة الإخوان المسلمين تبدو مسدودة سياسياً واقتصادياً وإعلامياً واجتماعياً وغير ذلك، ما يعني أن فشلهم ربما يكون ذريعاً وسقوطهم كارثياً، وأن دخولهم معترك السياسة أصلاً في الفترة الانتقالية (من هدير الثورة إلى بناء الدولة)، التي تعتبر أخطر مرحلة في الثورة المصرية، كان خطأً إستراتيجياً في عملهم السياسي بشكل عام، وسيؤثّر ولا شك على مسيرتهم في الواقع المصري، ويهز من صدقيتهم لدى رجل الشارع لصالح المعارضة، ولعل بوادر ذلك ظهرت بخسارتهم للانتخابات الطلابية في الجامعة وفي نقابة الصحافيين.
moh.alkanaan555@gmail.comتويتر @moh_alkanaan