تأخذنا تكاليف الحياة اللاهثة والمادية بعيداً عن لذة ممارسة شعائر الحب حتى مع أقرب الناس لنا، بل إنها تأخذنا بعيداً حتى من الاهتمام بأنفسنا! ولهذا فإنه من من الجميل وضع توقيت زمني أو يوم في كل عام نتوقف فيه لنمارس شيئاً مختلفاً وضرورياً
من أجل أقرب الناس لنا، وأن فعلناه فذلك من أسمى ما نفعل في حياتنا تجاه من تربطنا بهم علاقة القربى. نحتاج ذلك لنلقي نظرة إلى من حولنا نزجي لهم مشاعر الحب والاهتمام، لقد لاحظنا أنه مع قرب الاحتفال بيوم الأم تهيأ (الأولاد والبنات) استعداداً لاحتفالات صغيرة أضاءت الزوايا المظلمة في البيوت ليعم نورها وما شع منها من فرح وسرور إلى كل القلوب، في هذا اليوم تتوجه مواكب الفرح والعرفان للأم لتقول لها نحن نحبك ونحن نقدّر لك تعبك وتضحياتك من أجلنا لترد ما غمرها من فيض المشاعر الصادقة بدموع ودعوات، يوم الأم هو يوم تلاحم أسري بامتياز بدأ في السنوات الأخيرة يستقر في برنامج العائلة السنوي يذكِّرها بواجب فقد في خضم إيقاع الحياة السريع وربما الابتعاد عن السكنى في بيت الأم ينسي الكثيرين ما لأمهاتهم من حقوق!
في هذا اليوم نشطت رسائل ووسائل التعبير للأم عن الحب، كل عبَّر عن حبه بطريقته باقات ورد أو عطور أو حلوى أو غير ذلك! مارس الأبناء كتابة وإرسال رسائل الحب لأمهاتهم، ونشطت الإذاعات ووسائل الإعلام بالاحتفاء بهذا اليوم، إن من المهم الاحتفاء والاحتفال بـ (يوم) الأم وليس (عيد) الأم، فلا يوجد في الإسلام سوى عيدين ومن الخطأ الجسيم الاحتفال بأي عيد لم يقرّه الإسلام! ومع احترامي وتقديري لمن يعترضون على الاحتفال بهذا اليوم فقط لأنه منتج غربي! ويعلّلون ذلك بأنه لا يجوز تقليد الغرب، رغم أننا نقلّدهم في كثير من شؤون حياتنا ونأخذ عنهم أساليبهم في التعليم والإعلام والبنوك والتجارة والملابس والرياضة والمطاعم السريعة والبطيئة وغيرها! فلماذا نأتي ليوم الأم ثم نقول هذا تقليد للغرب لا يجوز! يوم الأم حتى وإن كان منتجاً غربياً فما المشكلة أن نحتفل به؟! ألسنا نحتفل بأيام كثيرة بعضها أقرته الأمم المتحدة في أجندتها السنوية مثل أيام الصم ومكافحة المخدرات والعنف العائلي والشجرة والمرور والسرطان والسكري ويوم اللغة العربية والمسنين والأطفال وغيرها من الأسابيع والأيام.
وإذا كان هذا التقليد فيه مصلحة لأنه يجعلنا نلتفت لمن نسيناهم في خضم الحياة الصاخبة فما المانع من ذلك! لا يجب أن تكون القضية لماذا نتبع من سبقنا في التفكير في يوم يعزّز روابط الأسرة ويلفت الانتباه إلى الأم! ولكن قضيتنا هي معرفة لماذا مجتمعنا لا ينتج أفكاراً جميلة يملأ من خلالها فراغات الحياة الصامتة التي فرضتها الانشغالات بالماديات، ربما التفكك الأسري في الغرب عجل بمثل هذه الأفكار! ولكن ما المانع أن نعزِّز من قيمة الحب والامتنان للأم فيما لا يتعارض مع الدين، لينسحب ذلك فيما بعد لسلوك عام بين أفراد الأسرة! ولكن ونحن نحتفل بالأم في يومها السنوي دعونا نتساءل، أليس للأب حق مماثل أن نحتفل به، إن الأب كثيراً ما يُنسى في أدبيات الاحتفال والتكريم رغم أنه لا يقل أهمية عن وجود الأم في البيت.. وأحياناً لا يقل حناناً عنها، ولهذا وأنتم تحتفلون بالأم لا تنسوه أو اجعلوا له يوماً يحتفى فيه بالأب، لتكتمل دائرة الاحتفاء بمن يستحقون ذلك.
alhoshanei@hotmail.com