ما حدث لبعض المستثمرين السعوديين في مصر يعيد إلى الأذهان العبارة الأجنبية الشهيرة «لا مكان كالوطن» No Place Like Home، تلك العبارة التي خلدتها عشرات الأفلام والمسرحيات والروايات والقصائد والكتب والأغاني.
ولكي لا نذهب بعيداً، نظل في مصر حيث يقول المثل العامي الشائع «من طلع من داره إتْقَلِّ مقداره»، وهذا ما حصل لبعض المستثمرين السعوديين مؤخراً في مصر وما جرى لهم من «بهدلة» لولا أن الله سلَّم.. ولكن حتى إشعار آخر، فمصر ما زالت في حالة «سيولة» سياسية واجتماعية بما يفيض عن حاجتها وفي أمس الحاجة إلى «سيولة» نقدية تنعش اقتصادها المتعب بعد أن هرب السياح والمستثمرون وأقفلت بعض المصانع أبوابها!
ندعو الله أن تكون شِدَّة وتزول، فمصر العزيزة تستحق وضعاً أفضل مما هي عليه الآن بما تملكه من مقومات تؤهلها كي تتسنم مواقع متقدمة على الساحة الاقتصادية العالمية. أما المستثمرون السعوديون وغير السعوديين فقد أصبحوا في حيرة من أمرهم ولا يعرفون ما يصنعون وسط الصخب السياسي المتصاعد! هل يَنْفذون بجلدهم وبأقل الممكن من الخسائر أم ينتظرون تطورات الأحداث على أمل تحمل لهم ما يحفظ حقوقهم؟!
هناك كلامٌ كثير عن الاستثمارات الأجنبية في مصر، وشُبهة الفساد التي تحيط ببعض الاستثمارات، ونحن لم نعد نعرف ما هو الصحيح، لكن إذا كان المستثمرون قد عملوا وفق الأنظمة السابقة فإنه يصبح من الصعب تفهم ما يجري لهم الآن. لقد ذهب المستثمرون إلى مصر بدعوة وبترحاب من الحكومة المصرية حينذاك، فهل كلما جاءت حكومة جديدة ألغت الأنظمة بأثر رجعي وعاقبت من صدقوا وعملوا وفق الأنظمة السابقة.
لكن موضوع المقال اليوم هو المسثمرون السعوديون وليس مصر. فنحن نعلم أن المستثمر يتتبع العائد الربحي الأفضل، وهو يجري خلف الربح، ويوازن بين «العائد» و»المخاطرة» ثم يتخذ قراراته الاستثمارية، فيكون مسؤولاً عنها. ومن الغريب أن بعض المستثمرين يغريهم العائد المرتفع لدرجة ينسون معها جانب «المخاطرة» بالرغم من علمهم بمعادلات الاستثمار ومبادئه التي يعرفها طالب مبتدئ درس مادة «التمويل»، فتراهم يُشرِّقون ويُغَرِّبون في استثماراتهم في بقاع الأرض بينما وطنهم يمنحهم فرصاً كريمة للاستثمار! ولعل الكثيرين منا يتذكرون تهديدات بعض رجال الأعمال للمرحوم الدكتور غازي القصيبي وزير العمل السابق بأنهم سيقومون بترحيل استثماراتهم إلى «الخارج» وذلك عندما طلب منهم توظيف السعوديين.
والآن هذا هو «الخارج» أيها السادة التجار! حكومات تصادر الاستثمارات، وعملات تتهاوى، وأزمات اقتصادية كارثية، وقوائم ابتزازية باسم مساعدة الإرهاب، وغير ذلك!
لستُ ضد الاستثمار في الخارج، فهو قد يكون مصدر قوة للاقتصاد الوطني عندما يكون في السياق السليم. لكن الوطن الذي هو أحق بخيراته وأمواله قد يكون في بعض الأحيان ليس فقط الأكثر ربحية وإنما الأوفر أماناً أيضا.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض