قرأت - كما قرأ غيري من المتابعين - الضجة الكبرى التي افتعلها الإعلام الغربي , حول تنفيذ المملكة العربية السعودية حكماً قضائياً في عاملة سري لانكية على إقدامها على قتل رضيع يبلغ من العمر أربعة أشهر خنقاً، بعد قدومها للمملكة بأسبوع، وما تلا ذلك من تصريحات صادرة عن منظمات دولية، وقامت الدنيا ولم تقعد، لا لأنّ العاملة السري لانكية أقدمت على تلك الجريمة النكراء التي لا تصدر عن قلب بشري يحمل أدنى معاني الإنسانية والرحمة، ولا لأنّ محاكمة تلكم المجرمة شابتها شائبة قانونية أو نظامية تغضّ من حقها في الحصول على محاكمة عادلة، فقد حصلت على حقها في الحصول على دفاع رسمي، ومتابعة سفارة دولتها، واطلاع مسؤولي دولتها بكل تفاصيل المحاكمة، وحيثياتها، وأكثر من ذلك فإنّ المسؤولين في المملكة على أعلى مستوى، بذلوا أقصى جهودهم، لإقناع أولياء القتيل بالعفو عن المجرمة، أو قبول الدية، والتنازل عن حقهم الخاص، لكنهم لم يقتنعوا، وأصرّوا على تنفيذ حكم القضاء، وهذا من حقهم الذي لا يستطيع أحد كائناً من كان أن يلغيه. والعجيب أنّ الحكومة السري لانكية اطلعت على كل ذلك، وقدّرت للمملكة جهودها الصادقة لإنقاذ العاملة.
نعم, لم تحدث الضجة من أجل ذلك, بل حدثت تلكم الضجة من المنظمات الغريبة ؛ لأنّ المملكة احترمت سيادة القضاء فيها، واحترمت استقلاليته الكاملة، كما ينص على ذلك النظام الأساسي للحكم فيها الذي هو بمثابة الدستور في الدول الأخرى، فقد نصّت المادة السادسة والأربعون على ما يلي: «القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية», وهذا ما تنص عليه - أعنى استقلال القضاء - كل الدساتير في العالم، وآخرها الدستور المصري.
ولا سلطان على القضاة في قضائهم، حتى لملك الدولة، ومجلس الوزراء، فإذا ثبت الحكم ثبوتاً قطعياً بالأدلّة المعتبرة شرعاً ونظاماً، فلا يستطيع أحد التدخل فيه، وما يبذل من جهود تسبق الحكم الشرعي لا تتوجّه إلى الحكم القضائي بأيّ حال من الأحوال، بل تتوجّه كل الجهود إلى إقناع أصحاب الحق الشرعي - وهم أولياء الدم - والرغبة إليهم في التنازل على القصاص، وإغرائهم بقبول الدية، والزيادة عليها، إن اقتضى الحال، وهذه الجهود التي تبذل على أعلى المستويات قد تنجح أحياناً، وقد لا تنجح في أحيان أخرى، كما في حالة العاملة السري لانكية وغيرها من أقيم عليهم حدّ القصاص.
فهل يريد سيادة الأمين العام للأمم المتحدة ونائبه ورئيس المفوضية الأوروبية، وغيرهم، من المملكة أن تضرب بأحكام قضائها عرض الحائط، وأن تخالف دستورها الذي ينص على استقلالية القضاء، وأنه لا سلطان على القضاة إلاّ لسلطان الشريعة الإسلامية؟! أم يريدون منها أن تغيّر منهجها الذي قامت عليه، ومبادئها التي تأسّست عليها منذ يومها الأول، وهو منهج تحكيم الشريعة الإسلامية المستمدّة من كتاب ربها، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم من أجل إرضائهم؟!
وكل عاقل في الدنيا يعلم أنها لو فعلت ذلك لكان أولئك المنتقدون أول من يفقد احترامه للمملكة، وتقديره لالتزامها بمبادئها الشرعية والنظامية، ولوصفوها بانعدام النظام والاستقرار، بل ولفقدت التقدير العالمي الذي تحظى به الآن، ولله الحمد.
لذا، فإنه يجب على من افتعل هذه الضجة الغبية، ومن تراقص على أحداثها، أن يعلموا علم اليقين، أن المملكة العربية السعودية دولة ذات سيادة تامة، كما تنص عليه المادة الأولى من دستورها، وأن من أظهر صور سيادتها أنها تحترم احتراماً قاطعاً سيادة قضائها واستقلاليته، وأنها ترفض رفضاً قاطعاً أي تدخل في شؤونها الداخلية تحت أي سبب من الأسباب، وأنه يجب على من يأتي إلى المملكة العربية السعودية أن يعلم أنه سيعامل بكل تقدير واحترام، وأن كل حقوقه محفوظة، لكن عليه أن يحترم الأنظمة المرعية في المملكة، وأنه إذا ارتكب جرماً فسوف تطبّق عليه أحكام القضاء كائناً من كان.
ملحوظة: العاملة السري لانكية، عمرها 21 عاماً عندما ارتكبت الجريمة، فهل يكون الإنسان في هذا العمر قاصراً؟! لا داعي للكذب والبهتان، فحبل الكذب قصير.
alomari1420@yahoo.com