هذا المساء شعرت برغبة في عمل شيء ما، لكن بصمت، أشعر بانسياب الأزرار تحت أصابعي يبدو أنَّها بدأت تعتادني أو أنني بدأت اعتادها فلم أتوَّقف كثيرًا للبحث عنها أو التأكَّد من أحدها، أصبحت أعرفها أحيانًا باللمس، الخنصر والبنصر وبقية الأصابع، الخنصر للكاف والبنصر للميم والوسطى للنون والسبابة للتاء، كمنت.. أهي شبيهة ببداية السؤال.. كم أنت قريب مثلاً، أو كم أنت بعيد؟!
لا يهم.. المهم أن أصابعي تلامس (الكي بورد) وأنني أوشك على الكتابة.
أعشق السَّفَر عبر القطارات يبدو لي حميميًا وجميلاً خاصة في قطار أنيق ومرتب كتلك القطارات الكبيرة الجميلة التي تربط بين مدن ساحرة، بعيدة..
دخلت القطار ولم أكن قد حجزت مقعدًا محددًا، وجدت مقعدًا مع طاولة، عبارة عن أربعة مقاعد كل اثنين متقابلين معًا على طاولة واحدة، كنَّا قد انطلقنا معًا أنا وصديقتي، وقد افترقنا منذ قليل، كل منّا إلى مدينة مختلفة، اتخذت مقعدًا محجوزًا كما كان واضحًا على شاشة إلكترونية صغيرة مجاورة أعلى المقعد، سألت المرأة الجالسة أمامي هل هذا محجوز؟ أجابت يبدو ذلك لكن لا بأس يمكنك الجلوس، يحدث أحيانًا ألا يأتي صاحب المقعد، وعليه فقد جلست، بعد قليل فوجئت برجل سمين يقبل إليّ هممت بالوقوف ومغادرة المقعد، الذي فيما يبدو هو صاحبه، لكنَّه أشار إلي بأن أبقى في مكاني وأنّه سيكون في المقعد إلى جواري.. كان بيننا ذراع المقعد، شعرت بحرج بسيط نظرًا لضخامة الرَّجل لكن أسلوبه اللطيف خفَّف عني قليلاً، أخذت أتأمل المشاهد الخضراء الجميلة من خلف زجاج النافذة الواسعة إلى جانبي الأيمن.. وقد بدأت أشعر بالارتياح والاندماج في أجواء الرحلة، بمنتهى العفوية، اختلست النَّظر إلى الشَّخص المجاور لي وإذا بي أرى أن الرَّجل يعتمر قبعة سوداء على رأسه، تلك القبعة التي تميز بها اليهود!
لم أكن استطيع التحرّك، حدثت نفسي: هذه هي العولمة أن تجلس امرأة من أواسط نجد بالقرب من يهودي يعتمر قبعة، لم ترَ أشكالها سوى على شاشة التلفاز! انهمك الرَّجل ذو القبعة بالعمل على كمبيوتره الشخصي الصَّغير (اللاب توب) أما أنا فقد التقطت هاتفي الجوال، لكنَّني تردّدت في مهاتفة صديقتي التي غادرتني قبل قليل، حتَّى لو تحدَّثت إليها همسًا باللُّغة العربيَّة، ماذا لو كان الرَّجل يفهم العربيَّة وعندها سيفهم كلماتي؟! إذن ليس أفضل من رسالة نصية إليها عبر الجوال، شرعت بضغط أزرار الجوَّال واحدًا بعد الآخر لأجل كتابة الرسالة وأنا أتنفس الصعداء، حيث استطعت أخيرًا التَّعْبير عن حرجي وقلقي:
أتدرين من يجلس بجواري في القطار؟ يهودي يرتدي قبعة، وأيضًا من الوزن الثقيل. أغلقت الجوَّال بهدوء ووضعته في جيب معطفي بهدوء وأنا ابتسم.
(مقطع من قصة لم تنشر بعد)..