في المقال السابق تحدثنا عن لغة الوعود التي تسبق صدور القرارات المناسبة لحلول المشكلات الاقتصادية. إلا أن الوجه الآخر للتعامل السلبي مع هذه المشكلات هو تبرير وجودها أو عدم فعالية الحلول التي تم العمل بها.
إن التبرير هو توضيح في حقيقة الأمر لما تواجهه أي جهة معنية بالقضايا الاقتصادية، إلا أن هذا المنطق يظهر في أحيان كثيرة خللاً في جوانب القرارات المتخذة أو الوعود المتأخرة..
أو الثغرار التي صاحبت اتخاذ قرارات الحلول أو الرؤية المستقبلية للتطورات والقضايا الاقتصادية.
فمشكلة البطالة المتشعبة في مسئولياتها تبررها كل جهة بتأخر صدور أو تجاوب كل طرف فيها مع الطرف الآخر سواء جهة حكومية أو من القطاع الخاص، مما يعني ضرورة أن تكون الأنظمة فعالة، وذلك من خلال التنسيق بين الجهات الحكومية بشكل أساسي. فلا يمكن القضاء على التستر -على سبيل المثال- إذا لم تقم وزارة التجارة مثلاً بإصدار نظام جديد للشركات والمنشآت يغير من واقع التراخيص الممنوحة، بحيث يضبط آليات العمل لهذه المنشآت وطرق مراقبتها ومعرفة واقع نشاطها وحجم إنتاجيتها وحجم العقوبات التي يتم تطبيقها على المخالفين بما يضع هذه المنشآت أمام واقع يحد من مخالفاتها.
كما أن وزارة العمل ووفق ما أصدرته من تسرب 33% من المستفيدين من برنامج نطاقات يتطلب معالجة الخلل بجدوى استمرار تطبيقه بناءً على نسب عامة لكل منشأة في مسألة احتساب نسب السعودة. إذ يجب تحديد هذه المعدلات على أساس الوظائف التي يمكن شغلها بمواطنين. وكنا قد طالبنا ككتاب رأي بأن يكون أساس العمل بنطاقات منذ انطلاقته بالمهن التي يمكن شغلها من مواطنين. وما قدمته الوزارة من تبريرات لهذه النسبة من التسرب يوضح أن معيار النسب العامة للسعودة له دور بتسرب أكثر من مائتي ألف منه. فالاستقرار والأمان الوظيفي والدخل والمزايا كلها أسباب أدت لكل هذا الحجم من التسرب.
فقرار منح موظفي القطاع الخاص إجازة أسبوعية يومين بدلاً من يوم واحد حالياً تم الحديث عنه منذ عدة أشهر، وتقول وزارة العمل إنه يحتاج لتغيير في نظام العمل، وأن مجلس الشورى يقوم بمناقشته، ولا يمكن معرفة متى سينتهي البت فيه، رغم أن فوائده تتعدى حدود رفع مزايا العمل بالقطاع الخاص مما يساعد على توطين الوظائف بهذا القطاع واستقرار الشباب السعودي بها، بل يصل أثره لخفض استهلاك الطاقة وزيادة سلامة البيئة وتنشيط قطاعات الترفيه والأثر الاجتماعي الإيجابي على الأسر بصفة عامة. فما الذي يبرر تأخير صدوره مهما كانت الإجراءات والآليات التي يتطلبها إقراره؟!
كما أن استخدام الآليات المعروفة والتقليدية بالتعامل مع المشكلات أو القضايا الاقتصادية بتشكيل اللجان وتحويل ملفاتها للدراسة والتي تأخذ زمناً طويلاً جداً قياساً بأهمية التعامل السريع مع هذه القضايا أو المشكلات يعد تبريراً وكسباً للوقت من طرف الجهة المعنية، إذ كانت قد تفاجأت بها ولا تملك الإمكانيات الفعالة لحل ما يواجهها من إشكاليات بأعمالها.
فقضية السكن رغم حجم الحلول والقرارات والدعم الكبير من ولاة الأمر لحل هذه المشكلة إلا أن وزارة الإسكان ما زالت تضع مبررات لتأخر الحلول لجوانب ترتبط أكثرها بتوفير الأراضي، فمن الممكن أن تقوم الوزارة بزيادة عدد الأدوار بكل برج سكني تقوم بإنشائه حالياً، كما أن ما صرح به معالي وزير الإسكان من طلب الوزارة أراضي تتبع جهات حكومية أخرى ولم يلق الطلب تجاوباً يتطلب إعادة النظر بتوزيع الأراضي الحكومية على الوزارات والجهات الرسمية إذا كانت لا تستغل لفترات زمنية طويلة، مما يعني إعادتها لصالح أمانات المناطق، وأن يكون الطلب لأي جهة حكومية من خلال الأمانات لكي تقوم الأخيرة بوضع أولويات تطوير مناطقها بما تحتاجه فعلياً دون أن يعطلها شح الأراضي التي تقع تحت ملكيتها. فبقاء أراض بيضاء حكومية خصصت لتقديم الخدمات دون الاستفادة المرجوة أضرارها كبيرة
من البديهي أن لا يكون التبرير أو الأعذار أو الاعتذار جزءاً من الحلول، وبما أن الجهات الرسمية تقوم بأعمال كبيرة لا يمكن إنكارها أو التقليل من شأنها إلا أن وقوف عجلة تقدمها بسبب تأخر صدور قرارات ملحة أو حلول تتعطل لأسباب بيروقراطية أو ضعف التنسيق بين الجهات الرسمية يعد ظاهرة سلبية لابد من التعاطي معها بوتيرة أسرع، فمن لا يعمل لا يخطئ والأخطاء والثغرات أمر وارد، إذ لا يوجد مثالية أو كمال بأي عمل مهما بلغ من الدقة إلا أن الدعم الكبير من قيادتنا الحكيمة للنهوض بالتنمية يقطع الطريق على أي أعذار تؤخر الحلول أو فعاليتها أو وقوف بعض الإجراءات أو الأنظمة حائلاً دون تسريع العمل التنموي الشامل في ظل إمكانيات مادية وبشرية كبيرة.