Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 27/03/2013 Issue 14790 14790 الاربعاء 15 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

منوعـات

بعد ثلاثين سنة أعود لليابان مرة أخرى سائحاً. كنت أتوقع كثيراً من التغيير، وخصوصاً في البنية المعمارية والطرق والمواصلات، وكنت أتوقع تغيراً جوهرياً في البيئة الاجتماعية؛ فكون اليابان ثاني اقتصاد في العالم لعشرات السنين خلت فلا بد أنها كانت مقصداً للمغربين والمشرقين، ناهيك عن الباحثين عن فرص العمل من دول العالم الثالث. كم أدهشتني اليابان عندما وجدت أن ثلاثين سنة لم تغير الكثير في البنية الاجتماعية اليابانية، ما زال اليابانيون قليلي الاهتمام بتعلم اللغة الإنجليزية، وكثيري الاهتمام بتعميق ثقافتهم المحلية. هناك ملايين من الأجانب من كل جنس ولون، معظم الأجانب المقيمين للعمل أو أغراض أخرى يتحدثون اللغة اليابانية بوصفها وسيلة للتعامل بصورة ما، ومَن يصرُّ على البقاء جاهلاً باللغة فهو إما معتمداً على من يترجم له أو محدود الحركة والتفاعل مع البيئة المحيطة. اليابانيون ما زالوا شعباً لطيفاً ومهذباً ونظيفاً في مراعاة البيئة العامة، على الرغم من كثرة السكان وغلاء المعيشة وتحديات الحركة والنقل العام.

ما زالت اليابان تبهرني، كأول يوم نزلت في طوكيو عام 1975م طالباً مبتعثاً للدراسة بها؛ فخلال 48 ساعة انتقلت من بريدة المدينة الوادعة الحالمة التي ينام أهلها الساعة 9 مساء، وفيها لوحة نيون واحدة صغيرة، إلى طوكيو المدينة الصاخبة التي تعج بالحركة وملايين لوحات النيون المتحركة والملونة وعشرات خطوط القطارات وقطارات الأنفاق.. فلم أستطع النوم زهاء أسبوع من الصدمة الحضارية. كانت طوكيو مثيرة لاهتمامي في كل شيء.

اليوم صدمتي الحضارية مختلفة؛ فلم يعد يثيرني البناء العمراني ولا تعقيدات المواصلات ولا لوحات النيون.. صدمتي الحضارية هي صدمة عكسية؛ فاليابان التي تُعتبر ضئيلة المحصول التراثي قياساً ببلادناً، والتي تُعتبر لغتها أهم عائق في سبيل زيادة فاعليتها في الثقافة العالمية، هذه البلاد التي يسكن شعبها في 30 % من مساحتها الكلية، وتضيق بهم المنازل والطرقات، ويتنافسون منذ بزوغ الشمس المشرقة حتى أفولها، هذه البلاد من أنظف البلدان بيئة في الهواء والأرض، ومن أنظف البلدان في لغة التخاطب بين الناس.

صدمتي الحضارية عندما أدخل دورات المياه العامة في محطة طوكيو للقطارات، التي يعبرها يومياً ما يزيد على 3 ملايين شخص، وأجدها أنظف من دورات المياه في بعض المنازل عندنا، ناهيك عن دورات المياه في مطاراتنا. صدمتي الحضارية عندما أسير في شارع عام يكتظ بالناس في (غنزا) أو (هراجكو) أو (شوبيا)، ولا أجد ورقة أو منديلاً أو حتى بقايا (علك) في الأرض، وأبحث عن سلة النفايات للتخلص من قارورة الماء الفارغة بيدي فأجدها بصعوبة. صدمتي الحضارية عندما أتذكر منظر بعض مداخل المؤسسات الحكومية والمدارس لدينا وهي تعج بالنفايات والغبرة في أركانها. صدمتي الحضارية هي عندما أستدرك أننا خلال ثلاثين سنة فقدنا كثيراً من شخصيتنا الحضارية والاجتماعية واللغوية، مع أننا أقل تعرضاً للتأثيرات الثقافية والسياسة والاجتماعية من اليابان؛ فاليابانيون بقوا كما عرفتهم منذ ذلك الحين، حتى التعابير اللغوية لم تتغير، في الوقت الذي أصبح فيه أبناؤنا يقولون كلاماً لا نفهمه، أو أنه غير سائغ.

اليابان تبهرني، ليس لأني أريد أن أنبهر بها، ولكنها بلاد تتناغم بها الاتجاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية. في اليابان هناك حرية لكل من يريد أن يبتدع أي شيء، ولكن الشعب الياباني بقدر تسامحه في قبول الجديد يصر على أن يكون تقليدياً حتى في قبول التجديد. ليتنا نتعلم بعض ما عندهم.

mindsbeat@mail.com
Twitter @mmabalkhail

نبض الخاطر
ما زالت اليابان تبهرني
محمد المهنا ابا الخيل

محمد المهنا ابا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة