في سنوات مضت كانت الرقابة على المطبوعات موجودة في معظم الدول العربية وحتى العالمية إيمانا من بعض الدول على حماية رعاياها من اللوثات الفكرية وما يتناقض مع توجهاتها الأيدلوجية والسياسية ومراعاة ردود الفعل التي تحصل عند شعوبها، وقد حقق هذا التوجه في تلك الفترة جوانب إيجابية لا بأس بها لأن إمكانية التحكم كان ممكنا، فالرقابة الإعلامية كانت حاضرة قبل النشر وبعده، وخصوصاً فيما يتعلق بالمطبوعات، أما الآن فتغير الوضع تماماً نتيجة للتفجر المعرفي، فالإنترنت أصبح متاحاً للجميع وهو الوسيلة السريعة للوصول إلى المعرفة أينما كانت سلباً أم إيجاباً، وليس هناك أي حواجز تحول دون الحصول عليها وتبقى الحصانة الفكرية التي تعتبر تطعيماً للقارئ، التي تحول بينه وبين الوقوع في المستنقع الذي قد يسبب خللاً في فكر القارئ، فالبيت والمدرسة لابد أن يكون لهما حضور قوي في مواجهة التناقضات الفكرية غير السوية، وذلك للتخفيف من هذا الطوفان الجارف الذي يفتك بفكر أبنائنا وبناتنا ومواجهته يتم من خلال احتواء كل ما هو إيجابي والبحث عن الحكمة أينما كانت، كذلك احتضان المبدعين والموهوبين والأخذ بأيديهم لتشجيعهم وتهيئة البيئة المناسبة لهم لكي يظهروا إيداعاتهم وابتكاراتهم، وهذه تعتبر رعاية تصب في إيجاد الحصانة الفكرية وتوجيهها الوجهة الصحيحة لأننا في عصر مختلف عن الماضي يتطلب مسايرته والتكيف وفق ما يتفق مع فلسفتنا وما يرتبط بموروثنا الثقافي والحضاري، فالقراءة اليوم بجميع وسائلها هي من مقومات وأساسيات هذا العصر وقلّ أن تجد إنساناً غير متفاعل معها، فالجميع يقرأ ويستمتع وتبقى الحصانة هي العلامة الفارقة متى ما توافرت للقارئ، ناهيك أن أوعية المعلومات قد تنوعت، فالذي تجده في الكتاب تجده في وسائل التقنية الأخرى، وهنا أتساءل عما يتم في معارض الكتب من ردة فعل عند بعض الغيورين الذين يطالبون بسحب الكتاب الفلاني وإغلاق الدار التي تبيعه توقعاً منهم أنهم أسهموا في إبعاده عن القارئ، ونسوا أنهم قدموا له دعاية وربح لمن قام بنشرة، علماً بأن بعض هذه الكتب التي عليها ملاحظات لم تصل إلى درجة الكفر أو التطاول على الذات الإلهية، والجميع متفق بأن هناك خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، والتي عادة تلجأ إليها بعض دور النشر للبحث عن الربح على حساب مبادئها وقيمها، وقبل أن أختم كلامي أوجه نداءً إلى الغيورين على أبناء أمتهم أن يوظفا الحكمة ويبتعدوا عن الحماس الزائد الذي يصل إلى التلاسن مع بعض دور النشر اعتراضاً على كتاب ما، وكان يفترض اتباع سلوك القنوات النظامية المعنية بالرقابة في مثل هذا المعارض وبهذه الطريقة نكون قد فوتنا الفرصة على الناشر في الترويج للكتب المثيرة للجدل.
والله من وراء القصد،،،
mid@abegs.org