المرء لا بد له من جليس يجلس معه وإليه ينظر في وجهه يحاوره ويقابله مباشرة، كذا كانت مجالسنا قديماً، أما اليوم فاتسعت الدائرة وكثر الجلساء وتشكلوا وصار الواحد منا بمقدوره أن يجلس مع من شاء متى ما شاء وكيفما شاء، فلا تمنعنا المسافات ولا تعيقنا المواصلات، فالقنوات جليس والجوال بتقنيته وتطوره جليس وشبكة المعلومات (الإنترنت) جليس، والصحف والإعلام جليس وهلّم جرا.. والله أعلم هل سيزيد عدد الجلساء فيما يستقبل من أعمارنا، حتى أصبح أيها الإخوة الكثير من الناس اليوم يجلس إلى القنوات الفضائية والإنترنت ويجلس مع جواله وإليه الساعات الطوال أكثر من جلوسه مع ولده ووالده أو ضيفه وزميله حتى يتشكل وتشكله القنوات وتصنعه شبكة المعلومات، فيتأثر ويؤثر، نعم إن جليسك هو من يشكل أخلاقك، فالإنسان يتشكل حسب جليسه فالسيئ مع أهل السوء والطيب مع الطيبين والخبيث مع الخبثاء {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}، يتشكل المرء حسب المتابعة وما يعرض من غث وسمين يتشكل المرء حسب الساعات التي يقضيها في يومه وليلته، فالذي يتابع الفحش والدعارة يصبح فاحشاً، وإن لم يقترف الفاحشة، والذي يتواصل مع السخرية والضحك والتمثيل يصبح فارغاً ساخراً، والذي يقبل على القيل والقال يصبح ثرثاراً كثير الكلام قليل الفعال، والذي يستلذ بالغيبة والنميمة يصبح من أهلهما {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ}، والذي يفرح بالطعن واللمز والغمز يصبح لعاناً طعاناً، والذي يستبشر بالكذب والافتراء عبر جليسه يصبح كذاباً، والذي ينظر في الأفلام الماجنة يصبح ماجناً، وكما قيل (قل لي من تجالس أقل لك من أنت..!) وأبلغ من هذا وذاك (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) أيها الإخوة القراء الفضلاء وقد يعتزل البعض الناس في مجالسهم فلا يذهب لاستراحة أو مناسبة ولكنه مع جلسائه عبر الواتس أب، الذي تهافت الناس عليه وإليه وتسابقوا في مجموعات متفرقة أذهب أوقاتهم وضيع أعمارهم، ولعل من بعض مفاسد الإغراق في هذه المجموعات:
1- ضياع ساعات الليل والنهار وهذا أمر مشاهد واضح بيّن فالبعض منهم يراسل من بعد الثانية عشرة ليلاً ويستمر ذلك إلى قبيل الصبح.
2- ضياع الكثير من الحقوق الواجبة والسبب هو هذا النظام باستقبال المعلومات وإرسالها.
3- ضياع كثير من الأوراد والأذكار والصلوات.
4- التعلق بهذه المحادثات عمن حولنا ممن يؤدي إلى سوء الأدب مع الزائر أو الوالد أو المار أو المسلم وإدخال الحزن عليه وهو أولى أن يستقبل ويحادث.
5- تؤدي إلى وحشة القلب فالإنسان لا يخلو بربه ولا بنفسه فهو غير مهيأ لأن يستغفر أو يدعو، لأنه في خلطة مستمرة مع الناس على مدار الساعة.
6- وقد تؤدي إلى مرض نفسي من جراء هذه الصور والمشاهد والأخبار التي تعرض على عقله لا أقول على مدار الساعة بل الدقيقة مما لا يتحمله العقل.
7- الانسياق خلف الكثير من الإشاعات التي تتلقفها هذه المجموعات ثم تبعث بها إلى مجموعات أخرى وهكذا، مع عدم التثبت والتريث كالوقوع في أعراض الناس أو نقل بعض الأخبار المغلوطة المكذوبة أو بعض الصور المدبلجة.
ومن الأضرار الحزن الشديد على ما يرى من صور أو ما يقرأ من أخبار مع أنه ينبغي لنا أن نتفطن أن النظر إلى بعض الصور محرم خاصة صور النساء العاريات أو شبه العاريات أو يعرض فيها من القتل الوحشي مما يؤذي نفوساً ويقلقها، وهدي النبي -صلّى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو رجل المعركة الأول، إبعاد النساء والصغار خاصة عن مثل هذه المشاهد الدامية وقد يعتذر بعضهم، يقول: إنما أنظر إلى هذه الصور أو المقاطع وأروجها من أجل أن يقف الناس على أخبار إخوانهم والدعاء لهم فأقول: لا يلزم أن ننظر لمثل هذه الصور التي تزعج النفوس وتقلقها فبمقدورنا أن ندعو لإخواننا في سوريا أو أي مكان من غير أن نقف على تلك المشاهد التي لها أضرارها عاجلاً أم آجلاً، فإننا ندعو لمن سبقونا بالإيمان دون أن نعرف أحوالهم ولم نشاهد صورهم فالله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا}، والنبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- زجر بلالاً لما مر بصفية على قتلى خيبر، واستصغر ابن عمر ورده في غزوة أحد، ونهى عن نقل مثل هذه المشاهد الدامية إلا إن كان بالوقوف كبير فائدة فهذا له حكم آخر، فمثل هذه الصور والمقاطع تضعف النفوس وتقلق القلوب وتقعد عن العمل، ونظام هذه المجموعات التي قد يتطور سريعاً نظراً للتطور المذهل التقني الذي يعيشه العالم اليوم لا بد أن نعرف أن في هذه المجموعات خيراً كثيراً مثلما أن فيها شراً، فإذا أردنا أن ننتفع من هذا النظام فلا بد:
1- أن تعرف المجموعة المنظمُ إليها جيداً، أي أن تعرف أعضاء المجموعة فتتعرف على جلسائك كبعض المجموعات التي تكون بين الأسرة أو الإخوة والأخوات.
2- إن كنت من أهل هذه المجموعات فيجيب عليك أن لا تسكت عن أي صورة محرمة أو كلام سافل كأن يودع أحد الأعضاء صورة فاضحة أو مشهد مزريّ.
3- أن تتثبت من المعلومات التي ترد إليك ومنك وأن لا تكون ممن يحمل أخباراً لا يعقلها ولقد شبه الله اليهود {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، فإن بعض الناس لا يتفكر ولا يتعقل فقبل أن تصله المعلومة ينقلها من غير أن يعيّ ما فيها وهذا لا شك أنه من قلة الفهم والوعي.
4- ألا يكون جل وقتك مع المجموعات فلا بد من تخصيص وقت لها، فالزوجة والوالدين والمصالح الدنيوية والأخروية أهم من تلك المجموعات، مع أن بعضهم مشترك في قروبات كثيرة، حتى لولا كانت تلك الرسائل التي ترسل هي خير محض كالحث على الصلاة والصوم والحج وغيره.. فأقول لا يجوز عقلا ولا شرعاً أن نقضي أوقاتنا في استقبالها وبعثها فإن الإسلام لم يأمر بذلك، فالنبي -صلّى الله عليه وآله وسلم- يتخول أصحابه بالموعظة، أما أن ترد بهذه الكمية من المواعظ والنصائح والأحاديث فأي عقل سيحفظها أو يعقلها، وأخيراً أيها الإخوة القراء ينبغي لنا دائماً أن نحسن استخدام هذه التقنية وأن نكون فطنين مستيقظين وأن لا نلقي بأنفسنا وعقولنا ومجتمعنا في هذه التقنية من غير ترو. .وإلى اللقاء..
- المدير العام المساعد لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة القصيم
فاكس: 063230324 - fh3300@hotmail.com