للشعر الفصيح عشاق كثر، يحبون المفردة الجميلة التي تعيد للأذهان صياغة المعاني السامية وإبراز مكنون النفس البشرية وما تحمله من وجدان صادق ورومانسية عذبة مباحة على (الورق الأبيض). طبعاً كخيال مطروح بعيداً عن واقع القصيدة قرأت في الثقافية يوم الجمعة 16-1-1434 عدد رقم 1ر4673 قصيدة أعجبتني للأخ مفلح الشمري، وهي من ثمانية أبيات، ولي بعض الآراء المتواضعة حولها:
1- هذا فؤادي في وصالكِ يرغبُ
فلِمَ التجافي في المحبة زينبُ
ينهمر المعنى الجميل حينما يسأل باستغراب محزن (فلِمَ التجافي؟) يسطرها بمودة تكشف حالة تواصل زمنية بينهما لا تقطها الماديات أو انشغال بالحياة.. بل تقارب وتعزز قيمة الحب بصيغته (الأفلاطونية) التي كان - ولا يزال - يتمناها الكل وكل الكل.. كنا في الماضي نعد برنامجاً وجدانياً في حياتنا عن المهم والأهم في مسارات العاطفة العفيفة لنجد ما يأتي:
1- الصمت العفيف مطلوب ومقبول في تبادل الأزمنة بين الأطراف.
2- الإيثار في حياتنا (حب) يتداوله الجميع دون تردد.
3- خدمة البعض من أجل مصالح الكل بوفاء وصدق.
4- حب الاحترام أو احترام الحب كان عنوان البعض.
2- قوسُ الهوى قد نالني بسهامهِ
وبجرْحها محبوبتي لا أعتبُ
ذكر الشاعر المميز أن ساعة الوقت تحسب بثوانٍ متعبة ومحرجة وحرجة (القوس).. هنا يجرح الحواس الخمس بقدرات سلبية عجيبة.. ومع هذا؟
3- يهواكِ قلبٌ أنتِ لو أنْصفْته
لعرفتِ أنّي في هواكِ أُعذبُ
في البيت السابق كلمتان ثقيلتان على الورق عميقتان في المعنى هما (يهواك، أعذب)؛ فالأولى تبعدك عن آفات الملل من سماع كلمات يومية مستهلكة مثال (متى نمت؟ وينك؟ وش آخر موديل نزل في الجوال؟).
أما الكلمة الثانية فتحثنا على طلب مفردات مرادفة لها من أجل المتعة اللفظية، مثال (على بالي, يطمئن لك قلبي, أعزك دائماً.. الخ).
ومن هنا أقول: لأن هذا البيت يعتبر الأجمل (في رأي شخصي) فالسحر المؤثر في البيت بثلاثة معاني، ربطها معاً بأسلوب فريد: معنى يكرس العدل والاعتدال في المشاعر الوجدانية، ويؤسس عدم الضعف. والمعنى الثاني: إن أصدق الأشياء في مسألة الصداقة هو الصدق، وليس بالضرورة في المشاعر الوجدانية فقط.
المعنى الثالث: تكرار في البيت (يهواك- هواك) تأكيد يشبه الجزم الدائم بأن إعجابنا بالطرف الآخر يطول عمره الزمني إذا أبعدنا عن المصالح الدنيوية.
4- رحماكِ زينبُ بالمحبِّ فإنه
في كل يومٍ للمنيّة يقْربُ
في أعلى مراتب المبالغة ذكر الشاعر وبقوة المفردة لديه أن عذابات الوله قد تكون من مسببات قرب المنية، ملمحاً بأن الشاب والشابة في مقتبل العمر توجههما هزات وجدانية أو صحية يراها خبراء الاجتماع أنها طبيعية؛ ولهذا الشعر هنا يمثل بعض خصوصياتنا.
5- جودي علي محبة لا تبخلي
بدموعِ عينكِ إنها لا تكذبُ
أجمل دموع في الدنيا نشاهدها هي دمعة فرح الأم ودمعة طفل (ضاحكة)، لكن أورد الشاعر (مفلح) أن الدموع حينما يراها هي الأصدق في تعابير الجسم، وأقوى من تغريدات الشعر.
6- ودعي حديث العاشقينَ حديثنا
سمعي إلى غزلٍ يحنُّ ويطربُ
ترجمة المشاعر تارة تكون شعراً أو رسماً أو حتى ماديات (كالهدايا)، لكن في البيت هنا يحن لكلمات طربية، فيها لحن الصدق وموسيقى الحنين ومواويل الفرح.. هذا البيت ينزف جرحاً مثبتاً فيه؛ فكلما وجدت السعادة هناك أيضاً ألم وحزن.
7- يا أيها الحي الكرامُ تداركوا
قلباً بنيرانِ الهوى يتقلّبُ
يا المنادى لا تعترف بالضعف بقدر اعترافها بزلزال الشوق، كأنه بهذا النداء يختصر مشاوير العناء والبوح عبر مفرداته، يتلمس مرابع الحزن المستقبلي حينما يصور بعض جوانبه بنيران الهوى.
8- والناسُ من حولي تقولُ تعجّباً
الله يرحمُ عاشقاً يتعذّبُ
في قمة الاحتياج هنا يصرخ بمفردة واحدة، لكنها بصيغة الجمع، وهي (والناس)، كأنه يستهدف الحقب الاجتماعية الدائمة والمتغيرة. تعجباً أتأمل حلول خيالك في مساحات دنياي لكن بدأت أحبط.. فحضورك يعلمني انتظارك في غيابك حتى تعجب الكل من عذابي النفسي، يربط بُعداً معنوياً وبُعداً زمنياً معاً بأعجوبة..
وأخيراً، الشاعر انطلق من فضاءات رحبة فيها رومانسية موجعة غير تقليدية.. كأنه يجبر القارئ على خلق رؤية وجدانية تنطلق من الشمولية، وتبرز الحس الإنساني المرهف (لمفلح)؛ لأن الشعر هو مرآة تعكس القيم وأهم التقاليد؛ وهذا سر إعجاب البشر بالشعر والشعر الجميل كقصيدة (قوس الهوى).. مفلح، لقد أفلحت بالقصيدة أيها المبدع.
فهد إبراهيم الحماد - حائل
Fas882008@hotmail.com