تُظلم الحقبة الزمنية الممتدة من 500 ميلادي إلى1500 في التاريخ الفكري كما يراه مُصنفو التاريخ الغربيون.. بالعصور الظلامية أو العصور الوسطى، وهي التي تتوسط عصري النور ابتدأً بما قبل 500 م وانتماءاً بما بعد 1500م إلى يومنا الحاضر. تلك الحقبة الزمنية في منهج التاريخ الفكري الغربي لم تفرق بين نور (العصر الإسلامي) المزدهر بمنجز (فكر تنويري رباني) قادة سيد الخلق وصفوته محمد بن عبدالله صلوات ربي وسلامه عليه عام، فبمولده -صلى الله عليه وسلم- عام 570 م، وما تلى ذلك حتى بلوغ الرسالة المحمدية تمامها هديا واكتمال منهج وبلوغ هدف بتمام عمره صلوات ربي وسلامه عليه 63 عاماً.
الخطأ الذي يردده على مسامعنا حتى اليوم الكثير من الغربيين والمستغربين بإطلاق (عصور الظلام) على تلكم المرحلة التي أنارت في حقيقتها البشرية والتي أتت تاريخيا أيضا برجال الفكر كالكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن الطفيل، وابن رشد، وابن باجة، وابن عربي، والمعري، وأبي بكر الرازي.. فهل يُعقل أن يأتي اليوم من يردد كالببغاء بإطلاق ذات التصنيف الغربي لحقبة لم يشهد تاريخ الأرض نورا ولا تنويرا كما شهدته ذات الحقبة التي لا يستثني الغرب (ظلاميتهم) فيها بل يعتبرونها تصيفا فكريا لتاريخ البشرية جمعا وتجد بين ظهرانينا من يصمت بسذاجة أو يردد ببلاهة دونما إظهار اعتزاز بأهم مراحل البشرية على الإطلاق.
أشرت إلى ما قرأتم بعد محاولات شتى أتت وتأتي أُكلها بين (جيل المعلومة المُعلبة) اليوم, جيل خُدع بإبهار التقنية, حتى لم يسجل اعتراضا عبر وسائلها الحديثة يقول لمن يردد قول مارسيل فيشان وهو من كبار فلاسفة عصر ما العصور الوسطى كما يراها فلا يفرق بين فلاسفة العرب الذين لم يهملوا دراسة الفلسفة اليونانية القديمة، كما فعل هو وغيره ممن يرون أن الظلام هو صفة (سائدة) لكل من عاش ما قبل العام 1500 ميلادي وهو الإجحاف بعينه, والإجحاف الأشد مرارة أن يتبعه في ذالك مستغربين اليوم ومن يتبع سفاهاتهم ويصدقها ويأخذها كمسلمات لا تقبل النقاش قبل الطعن، وهم اليوم بكل أسف كثر؛ وبنظرة سريعة لكثير من مغالطات التواصل الاجتماعي الحديثة تكتشف بكل سهولة مدى تأثر الكثير من شبابنا بكذبة قد تُصدق فقط حين لا يُطلق بالعموم على عصر الظلام الغربي، عصر ظلام لتاريخ الفكر البشري قاطبة.
هنا أشير إلى من يعيش عصر التنوير وهو غارق بفكره في الظلام، من ينعم بالحرية ويرى في غيره غير ذالك، من يعيش عصر الإقطاعيات بفكره والعالم من حوله يتقدم نحو الانفتاح على الآخر بوعي وحصافة وحصانة عقل يميز الخبيث من الطيب، ولعل شأننا الرياضي أحد أهم شواهد التاريخ اليوم على فكر الطامحين من الشباب المثقف المحصن الذي يريد إخراج ساحة رياضتنا من حيز الإقطاعيات والمحميات إلى فضاء التخصيص الرحب الذي يستثمر العقل البشري قبل استثمار أدواته الممكنة.
وحتى لا أذهب بعيد دعوني أشير إلى ذكره وصرح به سمو الرئيس العام من قرب إقرار الخصخصة في الأندية السعودية والتي ستبدأ تدريجيا بالأندية الجماهيرية والبطولية الخمسة.. وكلنا يدرك ما قام به (نواف الفكر) في هذا المجال، وكيف دعم اللجنة الاستشارية التي قادها العقل الاستثماري الرائد الأمير عبدالله بن مساعد وفريق عمله.
أن أخشى ما أخشاه أن تتسارع وتيرة من ارتعدت فرائصهم جراء تسارع خطى قطار الخصخصة، ممن اعتادوا على النظرة للأندية على أنها (محميات) أو بقية ممتلكات خاصة، لا يشاركهم في قراراتها أحد بل ويُطرد من يساهم أو يريد المساهمة في دعم مادي هنا أو هناك، ولعل التاريخ الرياضي السعودي قد سجل من هذه المثالم ما لا يستطيع إنكاره ذو لب، أو أدنى من ذالك، أن التخندق خلف اجتماعات ظاهرها لقاء وتشاور وباطنها ما الله به عليم يجب أن لا تجهض عملية (الخصخصة) التي تعني بمفهومها الاستثماري الحقيقي المشاركة والمحاسبة في القرار والتنفيذ قبل العائد المادي؛ ذالكم العائد الذي قد يأتي باسم داعم أو محب لا ننكر حبه ودعمه بقدر ما ننكر نرجسيته في حب التملك والتفرد بالرأي وكأنما يُصادق على ظلامية من طمس نور العصور الوسطى الغربية وألقى بظلاميتها قسرا على تاريخ الفكر البشري باجمعه.
ختاماً . أقول يجب أن يرى النور مشروع الخصخصة على أسسها الاستثمارية العالمية كما هي موجودة في كبريات الأندية العالمية العريقة، كالمان يونايتد والريال وبرشلونة لا كما يرونه ربعنا مثالا جيدا لما يحصل في الأندية الإمارتية مثلاً -التي نكن لها كل الاحترام- ولكنها في حقيقة الأمر لم تراوح مكانها قبل التخصيص إلا بمجرد الإشهار والاستهلاك الإعلامي.. فهل نطاوع الظلاميين في تخندقهم أم نعبر كما عبر العالم المتقدم كرويا إلى مصاف الأندية ذات المشاركة الجماهيرية الواسعة التي تحقق مضمونا وشكلا معنى.. الخصخصة.. بعيداً عن مفهوم.. المحميات والممتلكات الخاصة.
خُذ عِلم
لا أختلف مع من قال أن أندية الأهلي والاتحاد والنصر والشباب ظُلمت بعقد الاتصالات، ولكنني أحب دوما مُخاطبة (العقل) فأقول لم يقع (غرر) كما تود الرسائل (الموجهة) أن تقول، بل أن ضعف المفاوض لتلك الأندية مع الراعي (الشريك) هو من أوقع الظلم، فيكون من ظلم بل وأهان ناديه هو من وقع تلك العقود التي يجتمع اليوم من وقعها بالأمس للخروج من مأزقها.
- طار إعلام (حبة فوق وحبة تحت) في العجة، للإيقاع بين مثالية شبيه الريح الأمير الخلوق عبدالرحمن بن مساعد وأدبيات الوقور أحمد عيد.. فهدأت العاصفة ولم يبلغ (مخلفاتها) إلا من فتح فاه.
- انظروا لفوارق تميز شراكة الهلال وموبايلي لتعرفوا أن الأمر يتعدى واقع الأرقام في كلا الطرفين الرابحين إلى ما هو ابعد.. حيث لا يعترف الزعماء في جل قواميسهم بأندية المحميات والممتلكات الخاصة.
ضربة حرة
لا تبك على كل شيء مضى، بل اجعله درسا لك، فلا شيء يجعلك كبير في أعين الآخرين، إلا صبرك على ألم لم يصبر عليه غيرك.