لطالما ارتبطت الشفافية بالشعر -فصيحه وشعبيه- وهي مما جُبِلَت عليه نفس العربي الذي يكره الغموض المُنفِّر ويجزم أن ليس منه البتة كمستثنى ما هو محبب للنفس إطلاقاً؛ لأن الوضوح من حُسن الخُلُق وهو من صفات المسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خُلُقاً» متفق عليه.
والشعراء وإن رصدوا ووثقوا ما سبقت الإشارة إليه إلاَّ أن هذا لا يعني بأي حال أن -الكمال من صفات البشر-، يقول الشاعر أبو العتاهية:
أَتَطْلُبُ صاحباً لا عَيْبَ فيهِ
وأَيُّ الناسِ لَيْس لَهُ عُيُوبُ
لهذا فإنني أستغرب الحساسية المفرطة -كردة فعل- من البعض تجاه بعض المؤلفات التي تتحدث عن أشخاص -بما لهم أو عليهم- من واقع التواريخ وأحداثها في الشعر، فهل هؤلاء (المُتَطلِّبون للمحال) خارج أطر المنهجية والمنطق والواقع والموضوعية المنصفة يعيشون في كوكب آخر؟! ربما، خصوصاً أن من يقرأ بعض استياءاتهم التي هي قطعاً في غير محلها قد يضم صوته لترجيح هذا الافتراض..!
ثم إن التعميم -لغة الحمقى- وهذه ليست إيماءة أو وخزة لتنبيه من لم يستشر في إقدامه على مهزلة تقديم مؤلَّف فيه من المغالطات وغمط حق الآخرين وجهودهم ما الله به عليم، لمجرد أن من تحدث عنهم -وكلهم أموات رحمهم الله- لم يؤلفوا كتباً وِفْقَ هواه وتحسين صورة من ينتمي إليهم فلله العجب، يقول الشاعر عبدالله بن صقيه التميمي:
ترى البحر لا صرت ما انته بسباح
يغرق به اللي ما يعرف السباحه
اترك سبيل الناس حتَّاك ترتاح
من جاء بدرب الناس ما ذاق راحه
ويقول الشاعر عامر بن بدران رحمه الله:
يزيد قدر الرجل في طلبه العلا
ولا طرد هزلات المعاني بزايده
ويقول الشاعر مبارك بن مويم رحمه الله:
وأوصيك لا تدنّق مدانق مذلّه
عليك العيون المرقبات نظور
وبالك تخاوي غير صمٍّ صميدع
على صك غارات الزمان صبور
إلى أن قال:
كم عيلةٍ جاء ضدَّها فتق هيبه
والصبر عقبه مِنْعةٍ ونصور
ولا توري العدوان غاية حذايقك
فغايات حِذَّاق الرِّجال بحور
abdulaziz-s-almoteb@hotmail.com